تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يستقيم أن يقال: إنه حكم على ثمانين من ثقات شيوخه بكلمة (صدوق) وحكم على عشرين منهم فقط بكلمة (ثقة)، والثمانون أكثر فلنحكم على أولئك العشرين الذين قال فيهم (صدوق) ولم نجد لغيره فيهم كلاماً بحكم الثمانين لأنهم الأغلب، فإن هذا خطأ بعيد ولا دخل له بما نحن بصدده من استعمال هذه القاعدة على وجهها الصحيح، فتدبر ذلك تجده كذلك.

وقالا (1/ 70) في شيخ لأبي حاتم قال هو فيه: (صدوق)، قالا فيه: «ولو لم يكن ثقة عند ابي حاتم لما روى عنه».

أقول: هذا ادعاء غريب جدا ولعله من سبق القلم، ولا يصح ان يعتذر عنهما بأن مرادهما بالثقة الصدوق أو المعنى الشامل للثقة مطلقا والصدوق، لانهما في مقام استدراك على ابن حجر وهو قد قال فيه: (صدوق) ((4))، ومن فوق الصدوق الا الثقة مطلقا؟

13 - لم يوفقا إلى الصواب في معنى لفظة (صدوق) عند ابن ابي حاتم؛ فقد قالا (1/ 42): «اما ابن ابي حاتم فجعل الرواة اربعة اصناف 0000»، فذكراها ثم قالا: «فهذا اصطلاح خاص به، ويفهم من لفظة صدوق عنده انها لا تعني الحديث الحسن بل دونه، وهو الذي يصلح للمتابعات والشواهد».

أقول: ان كانا فهما هذا من قوله (فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه) ومن كونه لم يصرح هنا بأن هذا ممن يحتج به كما صرح في المرتبة الاولى، فإن هذا الفهم فيه نظر من وجوه:

الاول: أنه يَرِد عليه ان ابن حاتم لم يذكر مرتبة وسطى بين مرتبتي الثقة والصدوق، فعلى فرض ان معنى الصدوق عنده هو ما ذكراه، يكون قد اغفل مرتبة الحديث الحسن، وهذا لا يصح لأن السياق يأباه، أو يكون قد ادرجها في مرتبة الصحيح وجعلها قسما منها لا قسيما لها، وهذا خلاف الظاهر الذي عليه الجمهور، ثم انه لا دليل عليه وعبارته تأباه أيضا، أو يكون قد اختار للتعبير عن صاحب تلك المرتبة لفظة (لا بأس به) أو لفظة (محله الصدق) دون لفظة (صدوق)؛ وهذا غير صحيح كسابقيه لأنه قد ساوى بين هذه الالفاظ الثلاث، فهي ان لم تكن متساوية في معناها عنده فانه لن يكون بينها عنده من الفروق ما يجعلها متباينة في مراتبها، بل لا بد ان تكون على الاقل متقاربة في معانيها مشتركة في مرتبتها وحكمها.

الثاني: انه يبعد ان يخالف ابن ابي حاتم اباه وأبا زرعة وسائر شيوخه وشيوخهما وجمهور المحدثين في معني هذا المصطلح، ولا سيما انه لم يبين ذلك ولا صرح به مع شدة الحاجة إلى البيان والتصريح، اذ انه - كما هو معروف - جمع كتاباً في الجرح والتعديل عظيماً احصى فيه ما وقف عليه من اقوال ائمة الجرح والتعديل في الرواة، وقد تكررت كلمة (صدوق) في عباراتهم مئات المرات وهو في اكثر ذلك مقر لها غير مستدرك عليهم فيها، واستعملها هو ايضا قولا له في مرات كثيرة جدا بطريقة تشعر بأن معناها عنده هو معناها عندهم بعينه.

الثالث: ان ابن ابي حاتم هنا في هذا التقسيم ناقل لمعاني المصطلحات عند المحدثين لا عنده، واليك نص عبارته ـ وهي في الجرح والتعديل (1/ 1/37) ـ: «ووجدت الالفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى:

واذا قيل للواحد انه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه.

واذا قيل له انه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية.

واذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه الا انه دون الثانية.

واذا قيل صالح الحديث فانه يكتب حديثه للاعتبار.

وإذا أجابوا في الرجل بـ (لين الحديث) فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتباراً.

وإذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الاولى في كِتبة حديثه الا انه دونه.

وإذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به.

وإذا قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه، وهي المنزلة الرابعة».

هذا كلامه، وتفسيره انه جعل المنازل أربع:

الاولى: منزلة الثقات رواة الاحاديث الصحيحة، وذكر من الفاظها (ثقة) و (متقن ثبت).

والثانية: منزلة رواة الاحاديث الحسنة، وذكر من الفاظها (صدوق) و (محله الصدق) و (لا بأس به).

والثالثة: منزلة الرواة الذين يستشهد بهم ولا يحتج بهم.

وهذه المنزلة الثالثة جعلها خمس درجات، فمن اعلاها درجة شيخ، فهي ليست من مراتب الاحتجاج وإن كان ظاهر سياقه قد يشعر بأنها منها؛ ويليها صالح الحديث ثم لين الحديث ثم ليس بالقوي ثم ضعيف الحديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير