تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: ابن الجوزي عنده شيء من التشدد في نقد الأحاديث الواهية عندما يستنكرها، وهو القائل في كتابه (الموضوعات) (1/ 146): (واعلم أن الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه في الغالب)، قال السخاوي في (فتح المغيث) (1/ 268): «وعنى بذلك الممارس لألفاظ الشارع الخبير بها وبرونقها وبهجتها».

وقد سبقه إلى هذا المعنى التابعي الجليل الربيع بن خثيم فقد روى عنه الخطيب في (الكفاية) وابن الجوزي في (الموضوعات) (1/ 147) وغيرهما أنه قال: (إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره)، واللفظ لابن الجوزي.

وقال ابن دقيق العيد في (الاقتراح): «وكثيراً ما يحكمون بذلك [أي بالوضع] باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث، وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم هيئة نفسانية وملكة قوية يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبوة وما لا يجوز».

لا أريد بهذا النقل أن أحصر النقد في المتن دون السند ولا أريد أن يكون المتن معتبراً في النقد كاعتبار السند؛ ولا أريد به تبرئة ابن الجوزي من تشدده في كتاب الموضوعات أصلاً ولا من المجازفة في بعض ما فيه من أحكامه أصلاً، ولكني أريد أن أقول ان هذا العالم قد بولغ في التشنيع عليه في هذه المسالة من قِبل من هو أقرب إلى الاعتدال من أكثرهم، ولكن السيوطي عنده في نقد مثل تلك الأحاديث تساهل كبير؛ وأنا لا أشك أنه في هذا الباب أبعد عن الوسطية والاعتدال من ابن الجوزي، ثم إنهما لو كانا متساويين في بعدهما عن التوسط والعدل فطريقة ابن الجوزي أحوط وأقعد؛ وطريقة السيوطي أخطر وأكثر مجازفة؛ والله أعلم.

هذا من جهة ما يتعلق بصفة ابن الجوزي من حيث الاعتدال في النقد وما ينافيه.

وبقيت ناحية أخرى في بيان بعض منهج ابن الجوزي ومرتبته في النقد؛ وهي كثرة أوهامه فيما ينقله عن غيره.

ذكر ابن حجر في لسان الميزان (3/ 84 - طبعة الهند) حكاية نقلها عن ابن الجوزي ثم قال: «دلت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقد ما يحدث به».

وانظر كلامهم في أوهام ابن الجوزي أو أمثلة منها في (تذكرة الحفاظ) (4/ 1324) و (سير أعلام النبلاء) (ج21 ص378 و382 - 383) و (تهذيب التهذيب) (ج2ص89) و (ج3ص109 - 110) و (ج4ص269و413) و (التنكيل) (ص430) وتعليق المعلمي على (الفوائد المجموعة) (ص22، 115 - 116، 97، 390، 56، 209، 39، 359، 487)، وحاشية (تهذيب الكمال) لمحققه الدكتور بشار (ج1ص276) و (ج2ص37) و (تحرير التقريب) (ج1ص412) و (ج2ص15).

ولمغلطاي كتاب أسماه (الإكتفاء في تنقيح كتاب الضعفاء) بين فيه أوهام ابن الجوزي.

ومما يدخل في بيان منهج ابن الجوزي أيضاً حاله وطريقته في كتابه (الضعفاء) فابن الجوزي ألف كتاباً في الضعفاء ولكنه عِيب بكثرة أوهامه فيه وأنه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق، وهذا شبيه بالتشدد؛ عابه بهذه المسألة الذهبي في (ميزان الاعتدال) (ج1ص16) ثم ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (1/ 102)؛ كلاهما في ترجمة أبان بن يزيد العطار.

قال الذهبي: (----وقد أورده أيضاً العلامة أبو الفرج بن الجوزي في الضعفاء ولم يذكر فيه أقوال من وثقه؛ وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق؛ ولولا أن ابن عدي وابن الجوزي ذكرا أبان بن يزيد لما أوردته أصلاً).

وقال ابن حجر: «وقد ذكره ابن الجوزي في (الضعفاء) وحكى من طريق الكديمي عن ابن المديني عن القطان قال: أنا لا أروي عنه ولم يذكر من وثقه، وهذا من عيوب كتابه يذكر من طعن الراوي ولا يذكر من وثقه، والكديمي ليس بمعتمد، وقد أسلفنا قول ابن معين أن القطان كان يروي عنه فهو المعتمد».

****

وأخيراً فمما قد يكون مبيناً لشيء من منهج ابن الجوزي قوله في (الموضوعات) (1/ 141 - تحقيق الدكتور نور الدين بن شكري):

(ومتى رأيت الحديث خارجاً عن دواوين الاسلام، كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود والترمذي، ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير في الصحاح والحسن؛ قرِّب أمره، وإن ارتبتَ به ورأيته يباين الأصول، فتأمل رجال إسناده، واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمى بـ (الضعفاء والمتروكين)، فإنك تعرف وجه القدح فيه).

...

تنبيه: كتاب ابن الجوزي (الضعفاء والمتروكون) - وبعضهم يقتصر في تسميته على كلمة (الضعفاء) كما تقدم في كلام ابن حجر - طبع بتحقيق عبد الله القاضي في مجلدين مشتملَين على ثلاثة أجزاء.

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[06 - 12 - 05, 04:43 م]ـ

لكن لا يخفى عليكم يا شيخ تساهل ابن حجر في الحكم على الأحاديث الموضوعة حيث يستعمل ألفاظاً خفيفة مثل "ضعيف". ولولا أنكم أشرتم إلى ذلك في موضوع سابق، لبسط الأدلة على ذلك.

قال المعلمي في مقدمة "الفوائد المجموعة" (ص11): «1 - إذا قام عند الناقد من الأدلة ما يغلب على ظنه معه بطلان نسبة الخبر إلى النبي (ص) فقد يقول "باطل" أو "موضوع". وكلا اللفظين يقتضي أن الخبر مكذوب عمداً أو خطأ. إلا أن المتبادر من الثاني، الكذب عمدًا. غير أن هذا المتبادر، لم يلتفت إليه جامعوا كتب الموضوعات، بل يوردون فيها ما يرون قيام الدليل على بطلانه، وإن كان الظاهر عدم التعمّد. 2 - قد تتوفر الأدلة على البطلان، مع أن الراوي الذي يصرح الناقد بإعلال الخبر به لم يتهم بتعمد الكذب، بل قد يكون صدوقاً فاضلاً. ولكن يرى الناقد أنه غلط أو أُدخِلَ عليه الحديث. كثيرًا ما يذكر ابن الجوزي الخبر ويتكلم في راو من رجال سنده، فيتعقبه بعض من بعده، بأن ذلك الراوي لم يتهم بتعمّد الكذب. ويُعلم حال هذا التعقيب من القاعدتين السابقتين».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير