تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أنواع تساهله كثرة اعتماده على توثيق ابن حبان إذا لم يخالفه من هو فوقه.

ومنها تضييقه الشديد لرقعة التعليل وتوهيم الثقات، فهو لا يكاد يحكم على رواية ثقة أو صدوق – أو على زيادة منهما – بعلة أو شذوذ إلا إذا تعذر عليه التلطف لقبولها وضاقت عنه حيلته فيها؛ انظر مُثُلاً لهذا في حاشيته على (سنن الترمذي) (ج1ص284 - 285 و ص303 و ص307 - 308).

ومن تساهله أيضاً أنه ميال إلى توثيق الضعفاء إذا كانوا من المشاهير المكثرين أو من كبار أهل العلم، ولا سيما إذا وجد له في ذلك التوثيق سلفاً قوياً، فهو يوثق هؤلاء ونحوهم ما استطاع إليه سبيلاً.

قال الألباني رحمه الله في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (ج1ص250) بعد أن ذكر توثيقاً من ابن حبان لبعض رواة الحديث:

(وتوثيق ابن حبان هذا هو عمدةُ الهيثمي حين قال في (المجمع) (3/ 217): (رواه أحمد ورجاله ثقات)؛ وحجةُ الشيخ الفاضل أحمد محمد شاكر في قوله في تعليقه على المسند: (إسناده صحيح) ---- وكم له في هذا التعليق وغيره من مثل هذه التوثيقات التي لا يعتمد عليها لضعف مستندها)؛ وانظر (غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود) للحويني ج1ص89و96و97.

وقد اتهم بعض أهل الجرأة في إصدار الأحكام على العلماء والناس العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله بالتعصب للمصريين من الرواة.

قال صاحب (رواة الحديث الذين سكت عنهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل) ص119:

(ثم إن الشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله متساهل في التصحيح، فقد قوى حال ابن لهيعة مطلقاً، وقوى حال كثير من الضعفاء؛ والناظر في تعليقاته على المسند وتفسير الطبري يجده يقول: (هذا إسناد صحيح رجاله ثقات) مع أن في رجاله من قال فيه ابن حجر مقبول أو صدوق يخطئ---- أو حتى ضعيف؛ ولقد حدثني شيخي المحدث محمد الحافظ التجاني رحمه الله تعالى بأن الشيخ أحمد شاكر متساهل في التصحيح، وأنه قوى أمر كثير من الرواة المصريين؛ قال: فأدخل مصريته حتى في علوم الحديث، رحمة الله عليهما.

ومن ينظر سلسلة الأحاديث الضعيفة وسائر كتب التخاريج للشيخ ناصر الألباني يجد مصداق ذلك جلياً واضحاً) ‍‍‍‍‍. انتهى.

وأقول: أما تساهله فنعم؛ وأما ما عدا ذلك مما ذكره فباطل قطعاً، وإنما الذي وقع هو أن أحمد شاكر لم يكن ليقنع كثيراً بنقد المشارقة للمغاربة، فربما خالفهم في بعض المشاهير المختلف فيهم – وان كان الراجح ضعفهم – كابن لهيعة وأضرابه، وله في ذلك ميل سبق ذكره. وهذا الذي قلته أشار إليه الشيخ أحمد نفسه إذ قال في شرح (سنن الترمذي) ج1ص67:

(وأهل بلد الرجل أعرف به وأعلم، والذي ظهر لي بالتتبع أن كثيراً من علماء الجرح والتعديل من أهل المشرق كانوا أحياناً يخطئون في أحوال الرواة والعلماء من أهل المغرب: مصر وما يليها إلى الغرب).

وشبيه بهذا قوله في حاشيته على (رسالة الشافعي) عقب ذكره اضطراب أقوالهم في تاريخ بعض الرواة:

(ومرجع ذلك عندي إلى أن المؤلفين في تراجم رجال الحديث لم يحرروا تاريخ الرواة من أهل مكة وأهل المدينة واضطربت نقولهم فيها كثيراً؛ وقد تبين لي هذا من التتبع الكثير؛ ولكنهم حرروا تاريخ الرواة من أهل العراق وأهل الشام أحسن تحرير وأدقه، ولعل هذا من نقص مجموعة التراجم التي وصلت إلينا مؤلفاتها بفقدان كثير من الأصول القديمة التدوين).

قلت: كان علماء الجرح والتعديل في العراق أكثر منهم في الحجاز بكثير، فمن العراقيين شعبة وتلامذته يحيى وعبد الرحمن وغيرهما وتلامذتهم أحمد ويحيى بن معين وعلي وعمرو بن علي الفلاس وغيرهم وتلامذتهم؛ وهؤلاء هم الذين نشروا أغلب هذا الفن في الناس شرقاً وغرباً؛ فلا عجب أن يكون نصيب الرواة العراقيين من التاريخ والترجمة أكمل وأوفر؛ وكذلك كان في الشام أبو مسهر الدمشقي وأبو زرعة الدمشقي ودحيم وأئمة آخرون.

والعلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله الأصل عنده قبول زيادة الثقة ما لم يخالف، فخالف في ذلك القدماء من المحدِّثين، ووافق فيه الفقهاء والمتأخرين والمحْدَثين؛ قال في تعليقه على (المحلى) (1/ 226 - 227):

(وعادة المتقدمين رحمهم الله الاحتياط الشديد، فإذا رأوا راوياً زاد عن رواية؟؟ في الاسناد شيخاً أو كلاماً لم يروه غيره بادروا إلى اطراحه والإنكار على راويه، وقد يجعلون هذا سبباً في الطعن على الراوي الثقة ولا مطعن فيه ---.

والحق أن الثقة إذا زاد في الإسناد راوياً أو في لفظ الحديث كلاماً كان هذا أقوى دلالة على حفظه واتقانه وأنه علم ما لم يعلم الآخر أو حفظ ما نسيه؛ وإنما ترد الزيادة التي رواها الثقة إذا كانت تخالف رواية من هو أوثق منه وأكثر، مخالفة لا يمكن بها الجمع بين الروايتين؛ فاجعل هذه القاعدة على ذُكْرٍ منك، فقد تنفع كثيراً في الكلام على الأحاديث). انتهى.

قلت: رحمك الله تعالى، بل هذه القاعدة تضر ولا تنفع؛ وهذا الكلام فيه نظر من وجوه:

الأول منها: أن المتقدمين لم تكن عادتهم الاحتياط الخفيف فضلاً عن الشديد؛ وإنما كانت عادتهم الاعتدال والتوسط والإنصاف والتثبت والتحري؛ ومن أمعن النظر في الذي وصلنا من أمهات كتبهم في الرواية والرجال والعلل وعرف مسالكهم ومناهجهم في علمهم علم أن الشيخ رحمه الله لم يكن موفقاً في هذا الكلام، ولم يكن مصيباً في هذا التأصيل.

نعم كان نفر يسير منهم يظهر منهم تشدد يسير أحياناً قليلة ولأسباب اقتضت من مثلهم ذلك النوع من التشدد في ذلك المقام.

وثانيها: أن القدح في راو زاد في سند رواية رواها أو في متنها شيئاً لم يأت به غيره بسبب تلك الزيادة ليس معروفاً من طريقة القدامى ولا من طريقة غيرهم.

وثالثها: أن الصواب في زيادة الثقة أنه لا يشترط لردها عدم إمكان الجمع بين الروايتين المزيدة والناقصة، وليس هذا موضع تفصيل أحكام زيادة الثقة. وانظر (النافلة) للحويني (2/ 14).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير