تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(ابن حزم الإمام الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف) إلى أن قال: (نشأ في تنعم ورفاهية ورزق ذكاء مفرطاً وذهناً سيالاً وكتباً نفيسة كثيرة؛ وكان والده من كبراء أهل قرطبة عمل الوزارة في الدولة العامرية؛ وكذلك وزر أبو محمد في شبيبته؛ وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة، فأثرت فيه تأثيراً ليته سلم من ذلك؛ ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق ويقدمه على العلوم فتألمت له؛ فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول؛ قيل إنه تفقه أولاً للشافعي ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث والقول بالبراءة الأصلية واستصحاب الحال وصنف في ذلك كتباً كثيرة وناظر عليه وبسط لسانه وقلمه ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب بل فجج العبارة وسب وجدع؛ فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة وهجروها ونفروا منها وأحرقت في وقت واعتنى بها آخرون من العلماء وفتشوها انتقاداً واستفادة وأخذاً ومؤاخذة ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجاً في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون ومرة يعجبون ومن تفرده يهزؤون؛ وفي الجملة فالكمال عزيز وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينهض بعلوم جمة ويجيد النقل ويحسن النظم والنثر وفيه دين وخير ومقاصده جميلة ومصنفاته مفيدة وقد زهد في الرئاسة ولزم منزله مكباً على العلم فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه؛ وقد أثنى عليه قبلنا الكبار).

وقال في (السير) (18/ 201 - 202):

(وقد أخذ المنطق، أبعده الله من علمٍ، عن محمد بن الحسن المذحجي، وأمعن فيه، فزلزله في أشياء؛ ولي أنا ميلٌ إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به؛ وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل والمسائل البشعة في الأصول والفروع وأقطع بخطئه في غير ما مسألة ولكن لا أكفره ولا أضلله؛ وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين؛ وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه).

*************

ومما ذكره الذهبي بعد ذلك في أثناء ترجمته من (السير) (18/ 209) هذه الفائدة:

(قال ابن حزم في تراجم أبواب صحيح البخاري: منها ما هو مقصور على آية، إذ لا يصح في الباب شيء غيرها؛ ومنها ما ينبه بتبويبه على أن في الباب حديثاً يجب الوقوف عليه لكنه ليس من شرط ما ألف عليه كتابه؛ ومنها ما يبوب عليه ويذكر نبذة من حديث قد سطره في موضع آخر؛ ومنها أبواب تقع بلفظ حديث ليس من شرطه ويذكر في الباب ما هو في معناه).

************

وقال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله في (الفروسية) (ص46) في أثناء كلامه على بعض الأحاديث: (أما تصحيح أبي محمد بن حزم له فما أجدره بظاهريته وعدم التفاته إلى العلل والقرائن التي تمنع ثبوت الحديث، بتصحيح هذا الحديث وما هو دونه من الشذوذ والنكارة؛ فتصحيحه للأحاديث المعلولة وإنكاره لتعليلها نظير إنكاره للمعاني والمناسبات والأقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه؛ والرجل يصحح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه، وهذا بين في كتبه لمن تأمله).

وقال في (زاد المعاد) (1/ 36) وهو يتكلم على بعض الأحاديث: (ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه [يعني مطر الوراق] لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة، ومن ضعف جميع أحاديث سيء الحفظ؛ فالأولى طريقة الحاكم وأمثاله؛ والثانية طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله؛ وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن؛ والله المستعان)؛ وانظر (الفتاوى الكبرى) لشيخ الإسلام (1/ 410).

*************

وقد ترجمه ابن حجر في (لسان الميزان) وليته لم يفعل؛ فابن حزم رحمه الله لا تنزل رتبته إلى أن يُذكر في مثل لسان الميزان إلا لأجل الدفاع عنه، ولكن أين الدفاع الكافي؟!

وقد أورد ابن حجر في ترجمته جملة من التنبيهات والفوائد؛ ومن ذلك قوله فيه (إلا أنه لثقته بحافظته كان يهجم على القول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة)؛ أي فتقع لهم بسبب هذا التسرع أوهام غير قليلة.

وعقد ابن حجر في أثناء ترجمة ابن حزم فصلاً لذكر نبذة من أغلاطه في وصف الرواة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير