**************
وقال الألباني في (تحريم آلات الطرب) (ص54) عقب شئ نقله عن ابن حزم: (فهذا من الأدلة الكثيرة على صحة قول الحافظ ابن عبد الهادي في ابن حزم (وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه وعلى أحوال الرواة) كما كنت نقلته عنه في (الصحيحة) بمناسبة تضعيف ابن حزم لحديث البخاري المتقدم)؛ يعني حديث المعازف.
**************
ونقل السخاوي في (الإعلان بالتوبيخ) (ص722) تقسيم الذهبي النقاد إلى متشدد ومتساهل ومعتدل فقال عقب القسم الثاني: (قلت: وكابن حزم فإنه قال في كل من الترمذي صاحب (الجامع) وأبي القاسم البغوي وإسماعيل بن محمد الصفار وأبي العباس الأصم وغيرهم من المشهورين انه مجهول).
قال قاسم علي سعد في المباحث (ص120): (وهذا الصنيع من ابن حزم يعد تشدداً وتعنتاً لا تسامحاً كما ذكر السخاوي).
قلت: هو تعنت بالنظر إلى المعنى أو النتيجة وهو تساهل بالنظر إلى صنيع ابن حزم نفسه فإن هذا تسرع منه وتساهل في إطلاق التجهيل وهو تشدد على الراوي؛ نعم هو عند الإطلاق يسمى تشدداً لا تساهلاً.
****************
وقال الدكتور محمد علي قاسم العمري (ص130) في (دراسات في منهج النقد عند المحدثين) (ص130): (لكن الملاحظ عند ابن حزم أن دائرة التضعيف عنده فيها سعة، بمعنى أنه يكثر من تضعيف من لا يستحقون التضعيف ولو في الجملة----أي انه أقرب إلى الطبقة المتشددة في التوثيق، المتساهلة والمتسرعة في التضعيف).
****************
وقال الحويني في (النافلة) (2/ 11): (وهذه العلل كلها صحيحة إلا الخامسة فقد تفرد بها ابن حزم فضعف عبد السلام بن حرب، وهذا من جسارته فإنه كان هجوماً على إطلاق الضعف في عدد من الثقات العدول لأدنى مغمز).
****************
وابن حزم لم يكن ظاهرياً في الفقه وحده، بل كان ظاهرياً في الحديث أيضاً، (إن صحت العبارة)، بل جمع في الحديث بين الجمود على مقتضى النظر في ظواهر الأسانيد والتقيد بطريقة المناطقة.
فأنت إذا تأملت طريقة ابن حزم في نقد الأحاديث وجدت غاية منهجه في ذلك هو أن الثقة معصوم – أو شبه معصوم – في الرواية، وأنه – أي الثقة - حريص جداً على اجتناب رواية ما لا يصح من الأحاديث.
وقد أنتج ذلك له جملة من الأصول المخالفة لأصول أهل التحقيق في هذا الفن وكبار علمائه.
فمن هنا – أعني بسبب ما تقدم - تراه ينكر بشدة المفاضلة بين الثقات؛ لأنهم عنده في مرتبة واحدة.
ومن هنا تراه يجعل الأحاديث الثابتة بمرتبة واحدة فليس عنده حديث حسن.
ومن هنا تراه يرى أن كل حديث ثابت يفيد القطع واليقين كأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو كأنه يقرأ آية من القرآن؛ مع أن بعض الأحاديث الصحيحة عنده ضعيفة عند الأئمة.
ومن هنا تراه أيضاً ينكر – أو يكاد ينكر – مسألة الشذوذ بمعناها المعروف عند المتأخرين؛ وهي مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
ومن هنا تراه إذا كان الرجل عنده ثقة فإنه يقبل منه كل شيء: تفرده وزيادته وإغرابه وشذوذه ونكارة حديثه وتدليسه؛ لأنه لا يراه إلا مصيباً في ما قاله موثوقاً فيما نقله حريصاً على صحة ما يرويه، قلت: أولو كان ذلك الراوي لا يعرف من أمر النقد قليلاً ولا كثيراً؟!
فمثلاً لذلك أنه يرى [كما في إحكام الأحكام 2/ 21 و146] أن الحكمَ بعدالة الراوي يستلزم ثبوت سماعه لما يرويه لأن الأصل فيما يراه هو أن العدل لا يحدث إلا بما سمع.
وأشار د. محمد علي قاسم في تعليق له على هذا المذهب إلى تناقض ابن حزم في رده لحديث المعازف بدعوى عدم الاتصال؛ قلت: ومن أعدل من البخاري؟!
وإنكار ابن حزم أو تضييقه الشديد لدائرة التعارض بين النصوص التي رواها الثقات عنده، ربما كانت علة في توثيق كثير من أصحاب الغرائب والروايات الشاذة وبعض المناكير؛ وذلك بناءً على تصحيحه لكثير من الروايات الشاذة والمخالفة وتوسعه في الجمع بين الروايات المتعارضة؛ وهو من أقدر الناس على الإتيان بالكلام الحسن أو القوي في الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض؛ ولكنه كان يخطئ في ذلك أحياناً ويغفل الجمع والتوجيه أحياناً أخرى؛ بل تراه كثيراً ما يرد دعوى التعارض والاختلاف بين الحديثين المتعارضين بظاهرهما ثم يسكت عن بيان كيفية الجمع والتوفيق بينهما.
¥