تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[02 - 02 - 06, 10:03 م]ـ

ويقول المؤرخ الناقد شارل سنيوبوس في كتاب < المدخل للدراسات التاريخية > المطبوع ضمن كتاب النقد التاريخي صـ 154: ( ... وفي كل علم من علوم الملاحظة هناك مبدأ كلي يقول: بأن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى نتيجة علمية عن طريق ملاحظة وحيدة، بل ينبغي من أجل توكيد قضية مّا أن نتحقق من الواقعة بواسطة عدد كبير من الملاحظات المستقلة، والتاريخ مع وسائله القاصرة للاستعلام؛ أقل من غيره حقا في عدم التقيد بهذا المبدأ، فالقول التاريخي في أحسن الأحوال ليس إلا ملاحظة واهية القيمة، تحتاج لتأييدها إلى ملاحظات أخرى).

هذا كلام أهل المنهج والنقد ... طرحه الدكتور كله وراءه وتمسك بجزئية وحيدة ليقول: ( ... وهذه الحكاية من شأنها أن توضح ملامح التعليم، وإصدار الحكم عند علماء المدينة أيما توضيح).

انظروا أيها الأحباب إلى هذا الأستاذ الكبير في جامعة بون كيف يتجاوز الأعراف العلمية ... والمناهج النقدية الصارمة ... ويريد أن يجعل من هذه الحكاية المفردة أداة لتوضيح المنهج التعليمي بالمدينة المنورة زمن وجود أساطين أهل العلم بها ... بل ويمعن في المبالغة الفارغة ويؤكد ذلك قائلا: أيما توضيح ... يعني ببساطة ينبغي أن نرمي وراءنا مئات النصوص والوثائق الدالة على الكفاءة العلمية الراقية ... والمنهجية الدقيقة الصارمة التي شهد بها أهل العلم للمدرسة المدنية في حفظ السنة النبوية من عبث العابثين وانتحال المبطلين ... وأيد ذلك الواقع الملموس بأحداثه التاريخية ... نعم يريد الدكتور أن نلقى ذلك وغيره وراءنا ظهريا ونعتمد على هذه الحكاية المفردة ... التي لا تسلم في دلالتها على ما يريده الدكتور حسب فهمه اليقيني لها؛ أمام ملاحظات النقد المنهجي الصارم الدقيق للحظة واحدة ...

نعم الدكتور يريد منا أن نلغي عقولنا ... ونترك تلك الثروة العلمية الهائلة التي خلفها علماء الإسلام في تمحيص المرويات ونقدها ... وأكبر من ذلك التطبيق العملي الرائع لتلك القواعد والضوابط التي ابتكروها واخترعوها على المنقولات المختلفة ... سواء أكانت آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو آثارا عن الصحابة أو التابعين أو وقائع تاريخية ... فبينوا صحيحها من سقيمها ... وكلام الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم – من كلام غيره ... لم يفتهم في ذلك حرف أو كلمة ... وإن الواقف على حدود ذلك العلم لينبهر من ذلك الصرح الذي شيدوا أركانه ... ومِن جلدهم وصبرهم في تطبيقه على كل جزئية منقولة في شريعتنا الغراء.

ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[04 - 02 - 06, 02:03 م]ـ

وفقكم الله.

ومن حباه الله عقلا وفهما وإنصافا إذا تأمل في الحكاية:

يتوقف مليا أمام تردد الإمام النسائي في إعادتها وحكايتها ... فلا بدّ أن في نفس النسائي منها شيئا ... إما في صحة ذلك عن ابن أبي أويس إذ ربما هناك خطأ مّا فليس كل ما صح سنده ظاهرا عندهم يلزم أن يكون صحيحا في نفس الأمر ... وإما في دلالتها ... ولمّا لم يجد يقينا في النفي أو الإثبات؛ اضطر الإمام - لغلبة مذهب الاحتياط عليه - أن يعمل بما فهمه منها ولم يلزم أحدا و لا أظهر تلك الحكاية لطلبته كما هو دأبه وغيره من أهل الحديث في مثل هذه المواقف فالأمر دين ... وربما ساعده على ذلك ما عرف من ضعف ابن أبي أويس في حفظه وضبطه ...

ومن أنصف وأعمل عقله إذا تأمل في حال ابن أبي أويس الذي تذكره المصادر:

يجده قد وصف بأنه: كان مغفلا ... ضعيف العقل ... لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤديه ... وأنه احتاج لغيره من علماء الحديث كي يبيّن له ما يحدث به ويعرض عمّا سواه ... فمن كان بمثل هذا الحال هل يُحسن وضع الحديث وتزويقه ليمرره على الأساطين من أهل العلم بالمدينة؟

ابن أبي أويس – رحمه الله – كأنه أراد أن يمدح نفسه ويتفاخر على بعض القوم بأنه كان ذا شأن بين علماء أهل المدينة ويحضر مجالس مذاكرتهم ... حتى كان منه أن يضع الحديث مما سمعه ورواه بين أيديهم لينظروا فيه ... فجاء بكلمات أوهمت بعض من جاء بعده أنه أراد أمر سوء ... وكل ذلك لم يكن ... وحتى لو حاوله ما أظنه كان في مُكنته ... و لو فعله لأسقطه من ساعته.

فإن سأل سائل: ما بال أئمة أهل الحديث يروون عمن كان هذا حاله ... وقد علمناهم يتخيرون الحفاظ المبرزين في الحفظ والضبط لرواية السنة؟

قلت: الرجل – رحمه الله – لم يكن مجنونا مستغلقا أو مبرشما حتى تطرح روايته بالكلية ... غاية ما في الأمر أن به خفة وطيشا ... ثم قد ساعدهم على الرواية عنه ضبطه لمروياته في كتابه ... وقد علموا أنها لم تخالف ما رواه غيره ... فدفعهم هذا – مع علوّ السند الذي يحبونه – للرواية عنه ... وقد نقل الإخوة سابقا ما يؤيد ذلك عن إمام الحفاظ البخاري ... فلا ضرورة لإعادته.

فإن قال قائل: قد علمنا هذا عن أهل الحديث - جزاهم الله خيرا عن أمة الإسلام – وتيقناه من منهجهم ... فما بال علماء المالكية قد ارتضوه مساهما في نقل مذهبهم ... ؟

قلت: الحديث في هذا ذو شجون ... وقد أخطأ الدكتور موراني في هذا المقام أخطاءا فادحة ... وكان الظن أنه يحسن الحديث في بعض هذا الأمر ... ولكن غلبة نفسية الشك والاتهام عليه أبعدته عن الإنصاف ... وأدت به لسلوك مسالك الإعتساف.

و لكن قبل الحديث عن هذا ... هنا كلام للدكتور متعلق بالحديث وأهله يحتاج لشئ من البيان ... ثم أعود - إن شاء الله - بعده للحديث عن المالكية وتلميذ إمامهم ابن أبي أويس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير