تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أشار الشافعي في "رسالته" إلى هذا المعنى، وأن الله خاطب العرب بكتابه بلسانها على ما تعرف من معانيها، ثم ذكر مما يعرف من معانيها اتساع لسانها وأن تخاطب بالعام مرادًا به ظاهره، وبالعام يراد به العام ويدخله الخصوص، ويستدل على ذلك ببعض ما يدخله في الكلام، وبالعام يراد به الخاص، ويعرف بالسياق، وبالكلام ينبئ أوله عن آخره، وآخره عن أوله، وأن تتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون اللفظ كما تعرف بالإشارة وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، والمعاني الكثيرة بالاسم الواحد، ثم قال: "فمن جهل هذا من لسانها- وبلسانها نزل الكتاب وجاءت به السنة؛ فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه، ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته؛ كانت موافقته للصواب وإن وافقه من حيث لا يعرف غير محمودة، وكان بخطئه غير معذور، إذا نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب والخطأ فيه".

هذا قوله، وهو الحق الذي لا محيص عنه، وغالب ما صنف في أصول الفقه من الفنون إنما هو المطالب العربية التي تكفل المجتهد فيها بالجواب عنها، وما سواها من المقدمات؛ فقد يكفي فيه التقليد، كالكلام في الأحكام تصورًا وتصديقًا؛ كأحكام النسخ، وأحكام الحديث، وما أشبه ذلك.

فالحاصل أنه لا غنى للمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب، بحيث يصير فهم خطابها له وصفا غير متكلف ولا متوقف فيه في الغالب إلا بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب."ا. هـ

وقال في الاعتصام 2/ 297:

فإذا ثبت هذا _أي سعة لسان العرب وأن القرآن نزل به _ فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولا وفروعا أمران:

أحدهما: أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربيا أو كالعربي في كونه عارفا بلسان العرب بالغا فيه مبالغ العرب أو مبالغ الأئمة المتقدمين كالخليل وسيبويه والكسائي والفراء ومن أشبههم وداناهم وليس المراد أن يكون حافظا كحفظهم وجامعا كجمعهم وإنما المراد أن تصير فهمه عربيا في الجملة وبذلك امتاز المتقدمون من علماء العربية على المتأخرين إذ بهذا المعنى أخذوا أنفسهم حتى صاروا أئمة فإن لم يبلغ ذلك فحسبه في فهم معاني القرآن التقليد ولا يحسن ظنه بفهمه دون أن يسأل فيه أهل العلم به

قال الشافعي لما قرر معنى ما تقدم: فمن جهل هذا من لسانها يعني لسان العرب ـ وبلسانها نزل القرآن وجاءت السنة به ـ فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل لفظه ومن تكلف ما جهل وما لم يثبته معرفة كانت موافقته للصواب ـ إن وافقه ـ من حيث لا يعرفه غير محمودة وكان في تخطئته غير معذور إذ نظر فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب والخطأ فيه.

وما قاله حق فإن القول في القرآن والسنة بغير علم تكلف ـ وقد نهينا عن التكلف ـ ودخول تحت معنى الحديث حيث قال عليه الصلاة و السلام:

"حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا " الحديث.

لأنهم إذا لم يكن لهم لسان عربي يرجعون إليه في كتاب الله وسنة نبيه رجع الأعجمي إلى فهمه وعقله المجرد عن التمسك بدليل يضل عن الجادة

وقد خرج ابن وهب عن الحسن أنه قيل له: أرأيت الرجل يتعلم العربية ليقيم بها لسانه ويصلح بها منطقه؟ قال: نعم فليتعلمها فإن الرجل يقرأ فيعيا بوجهها فيهلك

وعن الحسن قال: أهلكتهم العجمة يتأولون على غير تأويله ".ا. هـ

والكلام عليه من وجوه:

الأول: نفي تفرد الشاطبي بذلك.

الثاني: تقرير برهانه وبيان صحته.

الثالث: ذكر ما يشكل عليه ودفع ما يمكن دفعه.

أما الأول والثاني:

فالشاطبي رحمه الله لا يرى منافاة بين كلامه وكلام الأصوليين

فهو رحمه الله وصف المقدار المطلوب لفهم كلام العرب وخطابها وهو الذي اشترطه الأصوليون

ووصفُ هذا المقدار عنده هو أن يُصيِّر فهمَ الحامل له مضاه لفهم العربي والصحابة رضوان الله عليهم وأهل الفصاحة لخطاب الشارع

فيلزم المجتهد معرفة مقاصد العرب، وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولا يقتصر على معرفة أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك.

كذلك ليس المقصود معرفة أن معنى (عزين) جماعات متفرقة وأن معنى (الخزيرة) دقيق يخلط بشحم ويطبخ فقط

وإنما المراد ما نبه عليه الشافعي رحمه الله من نحو معرفة العام الذي يراد به الخاص ويعرف من السياق وغير ذلك من أنحاء تصرفاتهم في كلامهم مما تقدم بعضه في كلام الشافعي المنقول من الرسالة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير