تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل هذه الصيغ صيغ أمر ولولا بيان الأصوليين لها لوقع الخلطُ والجهل في مثل هذه النصوص، فتأمَل. ومنه قوله تعالى في سورة الحشر { .. للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم

استعمل الأصوليون لاستخراج مافي هذا الجزء من الآية من أحكام طريقين: عبارة النص وإشارته؛ فقالوا: النصُ يدلُ بعبارته على استحقاق الفقراء من المهاجرين من الفئ؛لأن الآية سيقت لبيان هذا الحكم، ويدل بإشارته على زوال ملكهم عما خلفوه في مكة لاستيلاء الكفار عليه؛ لأن القرآن سّماهم فقراء! قال الإمام السرخسي الأصولي الحنفي (والفقير من لا يملك لا من بعدت يده عن المال .. وهذا حكم ثابتٌ بصيغة الكلام من غير زيادةٍ ولا نقصان؛ فعرفنا أنه ثابتٌ بإشارة النص)

والأمثلة أكثر من أن تُحصى؛فلتراجع في مظانها في كتب الأصول (ومن المراجع الجيدة المعاصرة كتاب"تفسير النصوص " لمحمد أديب الصالح)

2ـ يُقدِّمُ الأصولي منهجاً علمياً دقيقاً يُبيِّنُ فيه منهجَ الاستنباط وكيفية الاجتهاد؛ ومن خلالها يستطيع الفقيه معرفة حكم الشرع في النوازل والمستجدات المعاصرة، وإن المطلع على الفتاوى المتعلقة بمسائل حادثة كمسائل المعاملات المالية أو الطبية ونحوها سيرى كيف يكون المفزع بعد توفيق الله إلى القواعد الأصولية التي تُردُ إليها هذه الفروع الجديدة من عموم نصٍ أو قياس أو استحسان بشروطه أو مصلحة مرسلة ونحو ذلك.وأنّ أي فقيه مؤهل للنظر في مثل هذه المسائل لا يستطيع أن يبحث المسألة قبل الانطلاق من قاعدة أصولية صحيحة أو أكثر يبني عليها مسألته.

3ـ من فوائد هذا العلم: الاعتناء بمقاصد الشريعة تحريراً واستنباطاً وفهماً وحمايةً وتنزيلاً على الواقع؛ ومعرفة مقاصد الشريعة وبيانها من أهم وأعظم وسائل حفظ الدين؛فإذا عرف العالم والعامي كذلك أن الشريعةَ جاءت لتحفظ على الناس الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض والمال) فهذه الأمور الكلية تُعدُّ ـ إن جاز التعبير ـ خطاً أحمر وسقفاً أدنى لا يجوز تعديه أو التعرض له بنقصٍ أو تلاعب؛ وهذه الكليات الخمس الضرورية هي ـ كما عبّرَ شيخ المقاصد الشاطبي رحمه الله ـ هي: {أُسسُ العمران المرعيةُ في كل مِلِّة، والتي لولاها لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، ولفاتت النجاة في الآخرة}

كذلك فإن معرفة مقاصد الشرع ركنٌ ركين من أركان الاجتهاد وشرطٌ من شروطه المعتبرة؛وهو قدْرٌ عظيم ومهيعٌ واسع لا يتأهل له إلا من كان ريّانَ من أصولِ الشريعةِ ومواردها!

4 - بيان وضبط قواعد الحوار والجدل والمناظرة، وذلك بالرجوع إلى الأدلة الصحيحة المعتبرة.

5ـ ضبط وتحديد مصادر التلقي المعتبرة وكذلك منهج الاستدلال؛ ولم يضل من ضل من أهل الأهواء والبدع إلا من جهةِ حدوث خلل في هذا الأمر المهم،ومن هنا تحدث الأصوليون بعمق وعلم عن علاقة العقل بالنقل؛ وبيان خطر تحكيم العقل في أمورٍ ومسائل لا تؤخذ ولا تُعرف إلا بالدليل النقلي. وأختمُ هذه الشذرات المُختصرة ـ مضطراً خشيةَ الإطالة ـ بأمرٍ وثمرةٍ مهمةٍ للغاية وهي " السادسة ":أنَّ حاجةَ الأمةِ اليوم لهذا العلمِ حاجةٌ متأكدةٌ ومتزايدة؛لأن هذا العلم بقواعد المنضبطة والناتجة عن استقراء دقيق ومستوعب لأدلة الشرع وموارده يؤسسُ منهجيةً علميةً تضبطُ الفكرَ المسلم في قضايا متعددة ومهمة: في فَهم النصوص الفهم الصحيح؛ وفي الاجتهاد في النوازل؛وفي سلامة التصورات ومعرفة مايستقيم مع الشرع من الأفكار والمبادئ والأطروحات الفكرية المُتجدِّدة أو ما أستطيع تسميته بالنوازل الفكرية؛ وما لا يستقيم مع مقاصد الشرع ومبادئه!

وهذا أمرٌ غايةٌ في الأهمية لأن النوازلَ الفكريةِ والآراء المتعلقة بالدين والمجتمع والسياسية والاقتصاد ونحو ذلك كثيرةٌ ومتلاحقة ومنها الظاهر البيِّنُ صحتُه أو فساده؛ومنها المتشابه الذي يحتاج لعرضٍ دقيق على قواعد الشرع ومقاصده؛وبهذه المنهجية نخدم الدين ونحمي الفكر؛ ونردُ مالا يستقيم مع الشرع ونقبلُ مالا يتعارض مع مقاصده وقواعده؛ فلا نحجرُ واسعاً ولا نُوسِّعُ مالا يجوز التوسع فيه!

وكثيرٌ من الكاتبين اليوم في الفكر الإسلامي بزعمهم ولكن بأدواتٍ غريبةٍ عليه خارجة عن هدي الشريعة وأصولها؛وبدعوى التجديد والتنوير يستعملون قواعد أصول الفقه كالمصلحة والقياس والعرف أو يتكأون على ذلك العنوان البرّاق " مقاصد الشريعة " دون فَهم ذلك كلِّه على مراد العلماء المحققين من أهل هذا الفن! فيشغبون على عامة الناس بل وحتى خاصة المثقفين بل وبعض طلبة العلم، ومن دون معرفة أصول هذا الفن كيف نميز الخبيث من الطيب والصحيح من السقيم؟

أخي طالبَ الفقه ودارسه: إذا لم تكن لديك ثقافة أصولية جيدة هي نتاج اجتهاد وجد ورغبة في التحصيل؛ فلن تفقهَ ولن تستوعبَ كثيراً من أقوال الفقهاء واجتهاداتهم وترجيحاتهم، لأنها قد بُنيت على قواعد علم أصول الفقه، سواء صرحوا بها أم لا، عندها ستُفوِّتُ على نفسِك علم أحكام الفقه بأدلتها ومداركها ويصعب عليك البناء والتخريج والتفريع والقياس أو يتعذر.

وبقي مسألةٌ أخرى مهمة هي موضع إشكال وعدم وضوح عند كثيرين من طلبة العلم وحتى من بعض المتخصصين وهي "علاقة هذا العلم بالمنطق والفسلفة ومدى تأثرهِ بهما " وللحديث عن هذا الأمر موضعٌ ووقتٌ آخر؛ إذا يسّرَ اللهُ وأعان!

كتبه:

د. فهدْ بن سَعدْ الجُهَني

أستاذ أصول الفقه المشارك بكلية الشريعة.جامعة الطائف

[email protected]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير