تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو الفضل مهدي المغربي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 04:40 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم.

وليس هناك سبيل لمعرفة أن الوسيلة مقصودة في ذاتها إلا بالنص، فما كان فيه نص يدل على عظمه فهو مقصود في ذاته وإن أفضى إلى مقصد غيره، وليست نسبة المصلحة والمفسدة هي التي تدل على المقصد، بل مختلفة ومتغيرة بحسب الأفعال، ولاعتبار اختلاف الزمان والمكان والشخص دور بارز في الموازنة بين النفع والضرر

هذه المسألة في اعتقادي من المسائل التي ليس فيها كثير اختلاف من حيث التنظير، ولكن الاشكال في تنزيل ذلك على المسائل الجزئية، وعليه فما الذي يمنع من القول بأن تنظيف الفم مقصود ولكن تنظيفه بعود الأراك غير مقصود، كما أن التطهر من الخارج النجس مطلوب، ولكن تحقق ذلك بالأحجار للاستجمار غير مقصود وقد ورد النص بهذا وذاك.

فما رأي الإخوة في التفريق بين ما هو مقصود لذاته وما هو غير ذلك بكون ذلك معقول المعنى أو كونه غير معقول المعنى، فما كان من الأول فهو غير مقصود لذاته بخلاف الثاني؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبو كوثر المقدشي على ما قدمت لنا، ونحن كلنا نبحث عن الفائدة.

أقول: مما لا شك فيه أن المقصود هو الاستياك كما سبق وأن ذكرت آنفا ولم أقل أن المقصود هو عود الآراك ومما يوضح ذلك ما جاء في روضة الطالبين: (ويحصل السواك بخرقة وكل خشن مزيل لكن العود اولى والاراك منه اولى والافضل ان يكون بيابس ندي بالماء ولا يحصل باصبع خشنة على اصح الاوجه والثالث يحصل عند عدم العود ونحوه ويستحب ان يستاك عرضا).

فالمقصود أخي الكريم هو الاستياك الذي يحصل بأي وسيلة صالحة لذلك لا المقصود هو عود الآراك وإن كان مفضلا وكل منظف للفم مقصود تضمنا، لكن:

ألا ترى معي أخي الكريم أن الشارع سن الاستياك مع الوضوء وإن كان في الوضوء المضمضة التي هي تنظيف للفم؟

فلو قلنا أن المقصود هو تحقيق النظافة للفم فلا شك أن الماء من أقوى المنظفات، لكن نص الشارع عليه مع الوضوء وقبل الصلاة تحقيقا لمزيد من النظافة، وهذا فيما تقرر عندي - وهذا حسب ما علمت والله أعلم- أن هذا يدل على أن السواك مقصود بلا شك والوسيلة المفضية لتحقيق السواك هذه مما يفضل بعضها على بعض لكن السواك في ذاته يبقى مقصدا.

وأحببت أن أردف كلاما جميلا رائعا - وإن كنت لست أهلا للحكم فيه - لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى:

(فان قيل: السواك عبادة مقصودة تشرع عند القيام إلى الصلاة وان لم يكن هناك وسخ، وما كان عبادة مقصودة كان باليمين.

قيل: كل من المقدمتين ممنوع، فان الاستياك إنما شرع لإزالة ما في داخل الفم، وهذه العلة متفق عليها بين العلماء؛ ولهذا شرع عند الأسباب المغيرة له، كالنوم والإغماء، وعند العبادة التي يشرع لها تطهير، كالصلاة والقراءة، ولما كان الفم في مظنة التغير شرع عند القيام إلى الصلاة، كما شرع غسل اليد للمتوضئ قبل وضوئه؛ لأنها آلة لصب الماء. وقد تنازع العلماء فيما إذا تحقق نظافتها: هل يستحب غسلها؟ على قولين مشهورين. ومن استحب ذلك ـ كالمعروف في مذهب الشافعي واحمد ـ يستحب على النادر بل الغالب، وإزالة الشك باليقين.

وقد يقال مثل ذلك في السواك إذا قيل باستحبابه ـ مع نظافة الفم ـ عند القيام إلى الصلاة، مع أن غسل اليد قبل المضمضة المقصود بها النظافة، فهذا توجيه المنع للمقدمة الأولي.

وأما الثانية: فإذا قدر انه عبادة مقصودة، فما الدليل على أن ذلك مستحب باليمنى؟ وهذه مقدمة لا دليل عليها، بل قد يقال: العبادات تفعل بما يناسبها، ويقدم فيها ما يناسبها.

ثم قول القائل: إن ذلك عبادة مقصودة، إن أراد به انه تعبد محض لا تعقل علته، فليس هذا بصواب، لاتفاق المسلمين على ان السواك معقول، ليس بمنزلة رمي الجمار. وان أراد أنها مقصودة وانه لابد فيها من النية كالطهارة، وأنها مشروعة مع تيقن النظافة ونحو ذلك، فهذا الوصف إذا سلم لم يكن في ذلك ما يوجب كونها باليمنى؛ إذ لا دليل على ذلك، فان كونها منوية أو مشروعة مع تيقن النظافة لا ينافي أن يكون من باب الكرامة تختص بها اليمني، بل يمكن ذلك فيها مع هذا الوصف، ألا تري أن الطواف بالبيت من اجَلِّ العبادات المقصودة؟ ويستحب القرب فيه من البيت، ومع هذا فالجانب الأيسر فيه اقرب إلى البيت، لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمني على اليسرى، فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمين، ولم ينقل إذا كانت مقصودة، فينبغي تقديم اليمني فيها إلى البيت؛ لان إكرام اليمين في ذلك أن تكون هي الخارجة.

وكذلك الإستنثار جعله باليسرى إكرام لليمين، وصيانة لها، وكذلك السواك. ثم اذا قيل: هو في الاصل من باب إزالة الأذى، وإذا قيل: انه مشروع فيه العدول عن اليمني إلى اليسرى أعظم في إكرام اليمين بدون ذلك، لم يمنع أن يكون إزالة الأذى فيه ثابتة مقصودة، كالإستجمار بالثلاث عند من يوجبه، كالشافعي واحمد، فإنهم يوجبون الحجر الثالث مع حصول الإنقاء بما دونه.

وكذلك التثليث والتسبيع في غسل النجاسات حيث وجب، وعند من يوجبه يأمر به وان حصلت الإزالة بما دونه.

وكذلك التثليث في الوضوء مستحب ـ وان تنظف العضو بما دونه ـ مع انه لا شك أن إزالة النجاسة مقصودة في الاستنجاء بالماء والحجر.

فكذلك اماطة الاذي من الفم مقصودة بالسواك قطعا وان شرع مع عدمه، تحقيقًا لحصول المقصود، وذلك لا يمنع من ان يجعل باليسرى، كما ان الحجر الثالث في الاستجمار يكون باليسرى، والمرة السابعة في ولوغ الكلب تكون باليسرى، ونحو ذلك مما كان المقصود به ـ في الاصل ـ ازالة الاذي. وان قيل: يشرع مع عدمه تكميلا للمقصود به وازالة للشك باليقين، الحاقًا للنادر بالغالب؛ ولان الحكمة في ذلك قد تكون خفية، فعلق الحكم فيها بالمظنة؛ اذ زوال الاذي بالكلية قد يظنه الظان من غير تيقن، ويعسر اليقين في ذلك، فاقيمت المظنة فيه مقام الحكمة، فجعل مشروعًا للقيام الى الصلاة مع عدم النظر الى التغير وعدمه؛ لان العادة حصول التغير.)

وهذا والله تعالى أعلى وأعلم.

وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير