تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مما سبق من تعليلات القائلين بعدم الاحتجاج بخلاف الظاهرية يتبين أنهم يدورون حول معنى واحد وإن اختلفت العبارات، وهو:

أن الظاهرية عندما أنكروا القياس خرجوا عن دائرة العلم، وأهله [وصاروا في دائرة العوام، أو الجهال، أو المبتدعة،

أو المباهتين (البرهان للجويني 2\ 818.، أو الكفار والمشركين - بحسب اختلاف العبارات -] وهؤلاء لا يصح الاحتجاج بهم في الإجماع، ولا يقدح خلافهم فيه.

والسبب في ذلك - مما تقدم - ثلاثة أمور:

أ - أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية.

ب - أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع.

ج - أن القياس قد دل عليه (الدليل القاطع) فإنكارهم له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة، فخالفوا صريح العقول، وصحيح المنقول.

أما الأمر الأول؛ وهو أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية.

فلا يسلم ذلك - عندهم - فإن في القرآن والسنة بيانا لجميع الأحكام الشرعية إما بطريق المنطوق أو المفهوم أو غيرها من دلائل الألفاظ ووسائل الاستنباط غير القياس، ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى: سورة النحل الآية 89 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وقوله تعالى: سورة الأنعام الآية 38 مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ.

وقال ابن حزم (النبذ في أصل الفقه، لابن حزم ص 118): " كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله، حاشا القراض فما وجدنا له أصلا البتة ".

قال أبو إسحاق الشاطبي (ت 790 هـ) (الموافقات للشاطبي 4\ 189): " العالم بالقرآن على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يعوزه منها شيء، والدليل على ذلك أمور. . .

ومنها: التجربة؛ وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها أصلا، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظاهر الذين ينكرون القياس، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل " ا. هـ.

وقال الشوكاني (ت 1255 هـ) بعد ذكره لدليل المانعين من الاعتداد بخلاف منكري القياس: ويجاب عنه بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها، وتدبر آيات الكتاب العزيز، وتوسع في الاطلاع على السنة المطهرة، علم بأن نصوص الشريعة جمع جم، ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب، ولا سنة، ولا قياس مقبول (وتلك شكاة ظاهر عنك عارها). نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جدا " (إرشاد الفحول ص 72). .

أما الأمر الثاني؛ وهو أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع.

فقد دفع ابن حزم هذا التراشق بأمرين؛ أحدهما: أنه لا يهمه من وافقه من أهل الباطل، فلا ينكر أن تقول اليهود لا إله إلا الله ويقولها هو.

وثانيهما: أنها لا تخلو كلمة حق أو باطل يذهب إليها غيره من آخذ بها من أهل الباطل، فالأخذ بالقياس قال به بعض المعتزلة، والأزارقة، وأحمد بن حابط، ولكل هؤلاء من شنيع الأقوال ما هو كفر (تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب للعلامة ابن عقيل الظاهري ص 52).

أما الأمر الثالث؛ وهو أن القياس قد دل عليه (الدليل القاطع)، فإنكار الظاهرية له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة، فخالفوا بذلك صريح العقول، وصحيح المنقول.

فهو محل النزاع بين الظاهرية وغيرهم، وقد أطال الظاهرية في نقاش هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بصحة القياس (انظر مثلا: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 2\ 761 وما بعده).

إضافة إلى أن (الدليل القاطع) إن سلم به، فإنما هو قد دل على أصل القياس، وصحة الاستدلال بجنسه. لا على صور آحاده؛ فإنها باتفاق ظنية، ما عدا بعض الصور التي قال بعض العلماء بأن القياس فيها قطعي؛ كالقياس الأولوي على نزاع في تسميته قياسا.

وبذلك يتبين فساد المقدمات التي بنى عليها أصحاب هذا القول نتيجتها؛ وهو عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية. فإذا سقطت المقدمات سقطت النتيجة المترتبة عليها. وعليه يتبين ضعف هذا القول - والله أعلم -.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير