واستدل أصحاب القول الثاني (القائلون باعتبار خلاف الظاهرية مطلقا) بأدلة متعددة، وسأسوق أولا عباراتهم؛ فمنها:
- أن ما تفردوا به هو من قبيل مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي (سير أعلام النبلاء 13\ 104).
- قال الصنعاني (ت 1182 هـ) (العدة شرح إحكام الأحكام، للصنعاني 1\ 140 - بتصرف يسير).: إن الظاهرية لم يخالفوا في المسائل المجمع عليها؛ لأن التحقيق أنه لم يقم الدليل إلا على حجية الإجماع القولي، وقد كذب من ادعاه إلا في المسائل الضرورية - كما قال الإمام أحمد -.
فإذا حققت فالحق أن دعوى الإجماع طريقة القاصرين، إذا أعيتهم الأدلة ادعوه على منازعهم، ولا يليق ذلك بأئمة التحقيق، فليس العمدة إلا الدليل من الكتاب والسنة أو قياس في معنى الأصل، فإذا قام الدليل فلا ينظر إلى التنقيش قال به قائل أو لا؟، فلا وحشة مع الدليل، ولا ناظر بعد وجوده إلى قال ولا قائل ولا قيل، والله يقول الحق ويهدي السبيل.
- أن هؤلاء المخالفين في القياس كلا أو بعضا، هم بعض الأمة، فلا بد من الاعتداد بخلافهم (إرشاد الفحول ص 210).
- أنه لم يذكر أحد من العلماء أن من شرط المجتهد المعتبر قوله أن يكون من أهل القياس القائلين به.
- أن قول الظاهرية اجتهاد منهم، ومن لم يعتد بخلافهم كان هذا اجتهادا منه فكيف يرد اجتهاد بمثله (سير أعلام النبلاء 13\ 105)، ونقله عنه الصفدي في (الوافي 13\ 474). .
- أن داود الظاهري كان يقرئ مذهبه، ويناظر عليه، ويفتي به في مثل بغداد، وكثرة الأئمة بها وبغيرها، فلم نراهم قاموا عليه، ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه، ولا سعوا في منعه من بثه (سير أعلام النبلاء 13\ 105. ثم ذكر أمثلة لبعض العلماء الذين عاصروا داود).
- أنهم وإن جاء عنهم مسائل غريبة، فإنهم علماء مجتهدون، وقد صدر من كثير من العلماء مسائل تخالف الإجماع، وإنما تحكى للتعجب؛ كقول ابن عباس في المتعة، والصرف، وإنكار العول (سير أعلام النبلاء 13\ 105 - 106).
- أن كثيرا من الأئمة المصنفين أوردوا خلاف الظاهرية في كتبهم، مما يدل على اعتبارهم له، فلولا اعتدادهم بخلافهم لما أوردوا مذاهبهم في مصنفاتهم، لمنافاة موضوعها لذلك (فتاوى ابن الصلاح ص 68).
- أننا ما اعتددنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة، بل لتحكى في الجملة، وبعضها سائغ، وبعضها قوي، وبعضها ساقط (سير أعلام النبلاء 13\ 104).
- أنه يلزم القائل بعدم الاعتبار بخلاف الظاهرية في الإجماع يلزمه أن لا يعتبر خلاف منكر العموم، وخبر الواحد، ولا ذاهب إليه (البحر المحيط 4\ 472، نقلا عن الأصفهاني شارح (المحصول). .
- أن خلاف الظاهرية معتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل، ويمنع العموم، ومن حمل الأمر على الوجوب؛ لأن مدار الفقه على هذه الطرق (البحر المحيط 4\ 472، نقلا عن القاضي عبد الوهاب في (الملخص). .
- أن عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية غير صحيح؛ لأنه إن كان نفيا للوجود فهذا كذب تدفعه المشاهدة والعيان، وإن قيل: إن الله أمر بعدم سماعه، أو رسوله أمر بذلك فهذا شر من الأول لأنه كذب على الله ورسوله.
مما تقدم يتبين أن الحديث في قبول خلاف الظاهرية ما ادعي فيه الإجماع مقبول وأنه مانع من انعقاد الإجماع لأمور:
أ - منع صحة الإجماع شرعا، وعقلا في المسائل التي خالف فيها الظاهرية (وقد أطال ابن حزم في (الإحكام 2\ 494 - 506) النفس في تقرير هذا الأصل، فيراجع).
ب - وعلى فرض صحة الإجماع قبل خلافهم، فإنه يمنع من الوقوع؛ لأن الوقائع التي ادعي فيها خلاف الظاهرية للإجماع، إنما هو خلاف ظني (قاله الذهبي في (السير 13\ 104)، والصنعاني في (العدة شرح إحكام الأحكام 1\ 140) وتقدم نقله. .
¥