تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أصول الفقه: هو القواعد المستقرأة من كلام الشارع والمستنبطة من كلام العرب؛ التي بها تعرف أحوال الأدلة التفصيلية ووجه دلالتها على الأحكام الشرعية.

نظرة شاملة لعلم أصول الفقه: يتوضع علم أصول الفقه في مرتبة شريفة شأنه شأن علوم الآلة، ولا يزعم زاعم أن هناك علما يفوقه مرتبة؛ أما شرفه فلأنه بسببه تعرف الأحكام الشرعية النظرية والعملية التي يدين الله عز وجل بها عبادَه؛ قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وركنا العبادة العلم والعمل، وشرطها اليقين، والإخلاص، والصواب، ولا يتأت كل هذا إلا بفقه القرآن والسنة، فتواضع الفقهاء على أصول تدرك بها معاني النصوص وتجتلب بها الأحكام من مظانها؛ فكان الاسم من المسمى أصول للفقه، أو دلائل الفهم، أو أسس العلم، أو قواعد الاجتهاد ....

أول من وضع لهذا العلم أصولا وضبطها وحقّقها وأفردها في تصنيف مستقل هو الإمام الشافعي رحمه الله في رسالته المقدمة لكتاب "الأم" في الفقه، وقيل جعفر الصادق وهو من علماء آل البيت؛ أما السبب المباشر للتأليف فيه هو سد الباب على أهل الأهواء والتشهي وأهل النفاق والزندقة؛ فهؤلاء لا يحصلون أسباب العلم الحقيقي أبدا إلا أن يتوبوا؛ فكان العلم بأصول الفقه من علامات الصلاح.

ومن هنا تظهر نكتة يغفل عنها كثير من أهل العلم وهي أن المجتهد في نظرهم من حصل علوم الآلة، خاصة علم أصول الفقه، ثم يطبق ما حصله على النصوص فينتج الفقه والعلم الغزير، كسبب ونتيجة المادة، فصار العلم الشرعي فيزياء "اعرف ثم طبق ولا تلتفت" فحصلت مصائب يطول ذكر بعضها فضلا عن كلها وإلى الله المشتكى.

وحقيقة الأمر أن هذا العلم قبل هذا وذاك موهبة ربانية، وتوفيق إلهي يعطى أصله من دون سبب ابتداء وفضلا: {يؤتي الحكمة من يشاء}، ثم يزكو هذا العطاء بأسباب النماء والزيادة أولها:

- الإخلاص؛

- فالتقوى والمجاهدة؛

- ثم الشكر والثناء.

قال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}، وقال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وقال: {ولئن شكرتم لأزيدنكم}.

كما أن المداومة والملازمة سبب آخر، حتى يصير للإنسان ملكة وهذا هو غاية العلم، ألم تسمع بإخلاص الشافعي رحمه الله وهو يقول: "وددت لو علم الناس هذا العلم دون ذكر لاسمي"، ومالك رحمه الله يقول لجالب الموطآت – وقد انتشرت في زمانه -: "ما كان لله فهو يبقى"، وفيهم موطأ شيخه ابن شهاب الزهري ....

ولتعلم صحة هذا المذهب من فواصل القرآن؛ فكثيرا ما يجمع الله عز وجل – واصفا ذاته - بين العلم والحكمة: {عليم حكيم}، العلم كمال والحكمة كمال، والجمع بينهما كمال؛ فتعرف أن العلم لابد له من حكمة حتى يكتمل وهاته الأخيرة هي النادر.

هناك إشكال يرد للمتأمل في موضع هذا العلم من نصوص الشرع، وهو أن كلام الله عز وجل - الوحي المنزل - وكلام المصطفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - –الذي هو قبس من كلام الله سبحانه - بفعل هذا العلم صار محدّدا بحدود عقلية، ومضبوطا بضوابط منطقية؛ فكان عقل الإنسان القاصر ملمًّا لكلام الله عز وجل في أصول، وصائغا له في قواعد وكأنه كلية عقلية؟!

فجوابه من وجهين: أولهما أن جزء الشريعة الأعظم وقسمها الأنجم غير معقول المعنى، جزء منه قال فيه تعالى: {وما يعلم تأويله إلى الله}، والجزء الآخر هو العبادة، وآخر هو كيفيات اتصاف الغيب بالمعاني، وقاعدة العلم فيهم التفويض والتسليم والتوقف، كما قال القاضي أبو بكر بن العربي: "قبض العنان عند عدم الاستطاعة عقيدة أهل السنة والجماعة".

الجواب الثاني: قوله تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} وقوله: {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا}؛ فكلام الشارع منزّه عن العبث والعشاوة، موسوم بالصدق والعدل، فلا يُلقى كلامه جُملا ويُدرك هملا، بل جعله سعادة للعارفين، وبستانا للعالِمين، وسكينة للعاقلين، فأرشدهم لضوابطه، وبنى فهمه على معرفة لغة العرب؛ فتمت الحكمة الأزلية برفع الذكر كما قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك}.

ثم إنه سد عليهم باب الغرور رحمة بهم أن افتتح سوَرًا من قرآنه بما لا تعيه موسوعاتهم، وأعجزهم بجوامع كلم نبيّه، حتى فقهوا بجهلهم، وتفاخروا بضعفهم، وتعبدوا بذُلّهم؛ فقال من تمادى في فهم كلام الشرع: "لا يحيط باللغة إلا نبي".

سند وضع علم أصول الفقه متصل إلى الشافعي - رحمه الله - برواية العدول، ومن تأوّل غير ذلك فمبطل منتحل أو جاهل مرتجل، وسلفالشافعي في ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وهو قدوة كل طالب وغدوة كل جالب؛ فسنن كثيرات مشهورات تروي اجتهاده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وبناؤه على ما فهمه من القرآن ... ولْنقم الحجة بحديث أبي هريرة المتفق عليه: (( ... وسئل عن الحمر فقال: ما أنزل علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}))؛ فهذا نص في اجتهاده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

يستفاد منه أحد صيغ العموم "مَن" وهي من الأسماء المبهمة الشرطية فدلت على الإطلاق دون تقييد بنصاب أو حول؛ وكذلك "خيرا" نكرة في سياق الشرط تعم كل أجناس المال، والله ربنا أعلى وأعلم.

........

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير