تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بين مبالغ في اعتبارها متوسع في التماسها دون ضوابط منهجية وثوابت شرعية، متجاوز لحدود عمومها حيث جعله قطعياً وجعل شمولها مطرداً متجاهلاً ما يعتري العموم من التخصيص وما ينبري للشمول من معوقات التنصيص، فألغوا أحكام الجزئيات التي لها معان تخصها بدعوى انضوائها تحت مقصد كلي شامل، فانتهى بهم هذا السبيل إلى التحلل من أحكام الشرع أو إلى تقييد نصوصها ومحاصرتها باسم المصالح والمقاصد.

وبين مجانب للمقاصد متعلقاً بالنص الجزئي إلى حد إلغاء المقاصد والحكم الكلية للتشريع التي تعترض ذلك النص وتحد من مدى تطبيقه وتشير إلى ظرفيته فهي كالمقيد له والمخصص لمدى اعتباره.

والمنهج الصحيح وسط بين هذا وذاك، يعطى الكلي نصيبه ويضع الجزئي في نصابه. وقد انتبه لهذه المزالق الشاطبي رحمه الله تعالى حيث حذر من تغييب الجزئي عند مراعاة الكلي ومن الإعراض عن الكلي في التعامل مع الجزئي حيث قال: (فمن الواجب اعتبار تلك الجزئيات بهذه الكليات ـ يعني الضروريات والحاجيات والتحسينيات ـ عند إجراء الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، إذ محال أن تكون الجزئيات مستغنية عن كلياتها، فمن أخذ بنص مثلا في جزئي معرضاً عن كلية فقد أخطأ، وكما أن مَنْ أخذ الجزئي مُعْرِضَاً عن كلية فهو مخطئ كذلك مَن أخذ بالكلي معرضاً عن جزئية .. ) [31] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=998688#_ftn31).

إن المنهج المقاصدي الذي ينتج فقها يشمل شؤون الحياة كلها، بحيث يستوعب الوحي كإطار مرجعي وضابط منهجي، ويستنفر العقل ويشحذ فاعليته كوسيلة لفهم الوحي وفهم المجتمع والواقع- هو القادر على إصلاح أحوال الأمة وفق أولويات معتبرة شرعا وحسب إمكانات واستطاعات كل مرحلة، بحيث يتم الاستخدام الأفضل للإمكانات، وتصبح قاصدة بعيدة عن الهدر والضياع والضلال.

خلاصة القول: إن المنهج المقاصدي بقواعده المحكمة وضوابطه الشرعية يحقق الوسطية التي تأخذ بالعزائم دون التجافي عن الرخص في مواطنها، و تطبق الثوابت دون إهمال للمتغيرات ويقام وزن للزمان والمكان دون تحكيمهما في كل الأحيان، ويتعامل مع تحقيق المناط في الأشخاص والأنواع، وتضبط قواعد الإعمال للحاجات والمصالح وعموم البلوى وعسر الاحتراز، ويتم بموجبه الربط الواصب بين النصوص وبين معتبرات المصالح في الفتاوى والاجتهاد، فلا شطط ولا وكس.

و أنبه في الأخير إلى أن الاجتهاد الآخذ بالاعتبار مقاصد الشرع أمر يحتاج إلى علم ودراية، وصبر ومثابرة، وتمحيص وتدقيق، فبغير هذا كله سيكون الأمر – لا قدر الله – تألها وتطاولا على الله من خلال نسبة القصد إليه سبحانه دون علم أو دراية.

كما أن إعمال المنهج المقاصدي لا يفضي في النهاية إلى إجابات مجمع عليها في كل المسائل لأن ذلك أمر يتعذر، لما طبع الله عليه البشر من تباين النظر. وحسبنا أن يساهم في تقريب شقة الخلاف وتضييق مجالاته، وتوجيه النظر إلى البصر بالأهداف الحقيقية من الوجود الإنساني كما أرادها الخالق سبحانه وكما أرشد إليها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأن يسهم في تكوين العقل المقاصدي الذي يمتلك أدوات البحث والمعرفة، وإمكانية النظر في المآلات والعواقب، الذي يحقق التحول من عقلية التلقين والتلقي إلى عقلية التفكير والاستنتاج والاستدلال والاستقراء والتحليل والنقد والموازنة والاستشراف المستقبلي، وعدم القبول لأي فكر أو اجتهاد بغير سلطان أو بغير برهان تحت شعار (هاتوا برهانكم)، ويصير عقلا مستبينا يحسن التعامل مع الأسباب والمقدمات والتسخير للسنن، ويمتلك ناصية سنة المدافعة فيستطيع مدافعة قدر بقدر أحب إلى الله، كما يقول ابن القيم رحمه الله: (ليس المسلم الذي يستسلم للقدر، ولكن المسلم هو الذي يدفع القدر بقدر أحب إلى الله) [32] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=998688#_ftn32).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير