وقد تبين بعد استيضاح إيرادكم: أن اللغة العربية هي مكوّن رئيسي لا يتصور أصول الفقه بدونها، بل أكثر مباحثه هي تطبيق لقواعد اللغة العربية، وليست هي غيره حتى يمكن أن تقضي عليه.
ولذا اعتبر بعض المنحرفين من المعاصرين أن رسالة الشافعي هي انتكاسة في الفقه الإسلامي لأنها بحسب رؤية هؤلاء قد قيدت الفقه في قالب القواعد المحكمة وعلى رأسها قواعد اللغة العربية حتى جاء الشاطبي بحسب هؤلاء أيضا فصفَّى عمليات التأصيل الشافعية وحرر الفقه من القيود الوثيقة التي عقدها الشافعي ....
وهذه بعض النقولات من كتاب "الفكر الأصولي" للدكتور عبد الوهاب أبي سليمان التي تؤكد ما ذكرته، وهو معنىً شائع في كتب الأصول سواء منها القديمة أو المعاصرة، وظاهرٌ جداً تنبهكم له وفقكم الله.
أول هذه النقولات هي في تعليل الشافعي في كتابه الرسالة بدأه بوصف أالقرآن بأنه نزل بلسان العرب دون غيره:
"لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوهه وجماع مبانية وتفرقها، ومن علمه انتفت عنه الشبهة التي دخلت على من جهل لسانها.
فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره، وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاما ظاهرا يراد به الخاص، وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره". ()
قال أبو فراس:
وهذه التطبيقات الأصولية هي بلا إشكال تطبيق لقواعد اللغة العربية.
ويقول الجاحظ:
"فللعرب أمثال واشتقاقات وأبنية وموضع كلام يدل عندهم على معانيهم وإراداتهم ولتلك الألفاظ مواضع آخر، ولها حينئذ دلالات أخر، فمن لم يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة، والشاهد والمثل، فإذا نظر في الكلام وفي ضروب من العلم، وليس هو من أهل هذا الشأن هلك وأهلك."
يقول أبو سليمان:
فمثلاً: قاعدة: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم لها جانبان: أحدهما لغوي، والآخر شرعي.
فكون الأمر لطلب الفعل جازما والنهي لطلب الترك جازما إنما هو مأخوذ من استعمال العرب، وأساليب المتكلمين بها، لما تدل عليه من أغراض هي الإلزام والإيجاب لصيغة الأمر، والتحري والحظر لصيغة النهي.
أما الجانب الشرعي في مثل هذه القواعد فهو الثواب لممتثل الأمر الجازم، والعقوبة على الترك آجلا والذم عاجلاً ....
وهذا لا يعرف إلا من طريق الشرع ....
ويوضح شهاب الدين القرافي مدى اعتماد أصول الفقه وارتباطه باللغة العربية في قوله:
"وأصول الشريعة قسمان:
أحدهما: المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، نحو الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم، ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة، وخبر الواحد وصفات المجتهدين.
القسم الثاني: قواعد كلية فقهية، جليلة، كثيرة .... " ()
ويقول سيف الدين الآمدي:
"وأما ما منه استمداده: فعلم الكلام، والعربية، والأحكام الشرعية ....
وأما علم العربية: فلتوقف معرفة دلالات الأدلة اللفظية من الكتاب، والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغة من جهة الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد، والحذف والاقتضاء والإشارة والتنبيه والإيماء وغيره مما لا يعرف في علم العربية."
ثم ذهب أبو سليمان يحلل مكونات أصول الفقه الثلاثة: علم الكلام، علم اللغة العربية، الأحكام الشرعية: في فقه الصحابة، فمما ذكره مما يتعلق بموضوعنا:
"أما اللغة العربية فلم تخف أسرارها ومعانيها عليهم، لأنها لم تزل طرية على ألسنتهم حية في عقولهم وعنهم أخذها علماء اللغة ودونوها في مؤلفاتهم، واتخذوا كلامهم حجة يعرف به الفصيح ... " ()
الخلاصة: أصول الفقه في جوانب كثيرة منه ما هو إلا تطبيق لقواعد اللغة العربية، فعلاقته باللغة العربية هي علاقة تكوين.
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[16 - 03 - 09, 04:17 ص]ـ
هذا اقتباس ومشاركة من نفس الموضوع المطروح في ملتقى المذاهب الفقهية
( http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php/-2520/index.html)
¥