- لقد أكثر العلماء والأذكياء من التنويه بفضل هذا العلم وكلامهم مبسوط في مظانه سهل المنال لكن لا يشك من مارس هذا العلم أن ما ذكروه لا يقارن بفضائله وفوائده المكتسبة من تعلمه وممارسته والتدقيق فيه
- لا يُعلم أن أحدا ممن يعتد بعقله وعلمه حذر من هذا العلم وأبطله ولم يعده من العلوم النافعة وعلوم الإسلام
هذا لا يوجد
وإنما وقع الكلام في ذمه في هذه الأعصار ممن لا يعتد بعلمه لخواء أصوله أو تعالمه أو ضلاله عن المنهجية الصحيحة في التلقي وتحصيل العلوم
- لا شك أنه وقع لبعض العلماء كلام حول بعض مسائل هذا العلم إما في كونها لا ثمرة لها أو دخيلة على هذا العلم أو فاسدة مصادمة للحق ونحو هذا
وهذه جزئية خطيرة وكبيرة لا يحسن التكلم فيها كل أحد والناس فيها على طرفين ووسط
فطرف غلا في جانب النقد فشنع على أهل الأصول بغير حق
كالصنعاني رحمه الله لما أخذ على أهل الأصول كلامهم في مبحث الإجماع وشروطه وأن الاشتغال به لا فائدة منه
وأن تقسيم الدلائل إلى دلالة مطابقة ولزوم وتضمن باطل بدعوى أن أبا ذر وأمثاله من الصحابة لم يكونوا يعرفونها!!!
أو كأخذه عليهم هو وغيره ما لا يختصون به بل يشاركهم فيه غيرهم من أصحاب العلوم الأخرى كاختصار المتون وتعقيد العبارات والاغراق في الكلام في الحدود والرسوم ونحو هذا
أو أخذهم عليهم ذكر مسائل لا ثمرة لها مع أن بعضها عند التدقيق لها ثمار وفروع وفوائد لكن خفيت عليه لظاهرية في النقد
وقد علم المنصفون أن الكلام في تمييز الدخيل من العلوم لا يحسنه كل أحد ولا يكون إلا قليلا _أي الدخيل_ولا يكون إلا بعد فحص وبحث وتدقيق عميق
وطرف آخر رفض توجيه النقد لهذا العلم مطلقا خلودا إلى التقليد وركونا إلى المألوف
وطرف ثالث توسط بين الطرفين وتكلم بعلم وتدقيق فوفق إلى الحقيقة
والكلام في هذه المسألة يطول وهي مسألة غير مسألتنا
فما تقدم لا يعني التحذير أو التزهيد من هذا العلم الجليل ولم يخطر على بال هؤلاء العلماء بل هم أبعد الناس عنه بل لم يكن بزهم لأقرانهم وتحقيقهم في العلوم إلا عن طريقه فبه قاموا ولولاه ما قاموا فكيف يزهدون فيه
كحال أبي العباس ابن تيمية وأبي إسحاق الشاطبي وغيرهما
كيف يمكن لعاقل أن ينسب إلى الشاطبي التحذير من هذا العلم والتزهيد فيه
وهل كان للشاطبي ذكر لولا هذا العلم وأهله السابقين؟!
وهل برز الشاطبي وعرف إلا في هذا الميدان؟!
- إذا تقرر أن هذا العلم لا يستغني عنه طالب علم فأنصح كل معتن به دارس له ألا يكتفي بدراسة كتب مدرسة المتكلمين (الشوافع والموالك والحنابلة) ويزهد بكتب مدرسة الفقهاء (الأحناف)
ففي كتب أصول الأحناف من دقائق هذا العلم وتفصيلاته وتقسيم لبعض مسائله ما لا تجده عند غيرهم
والكلام في هذا يطول
- كما أنصحه ألا يلتفت إلى من يزهد في التخصص في هذا العلم مطلقا مع احترامي لهم
فلا يفوتك النظر في كتب المتقدمين كتقويم الدبوسي وأصول الكرخي والسرخسي والمعتمد لأبي الحسين المعتزلي والمنخول والمستصفى للغزالي والبرهان للجويني والتقريب للباقلاني والواضح لابن عقيل وكتاب ابن بَرهان والأبياري وغيرهم من الفحول
ولا يزهدنك فيها صعوبتها أو خلافك مع مؤلفيها في الاعتقاد
ففي هذه الكتب من أصول النظر ومراتب الدلائل ووجوها واتساع طرق الاستنباط والفهم والمعارضة وتنويعها ما يكفل لك بتكوين ملكة الاجتهاد وتفتيق الذهن و تدريبه وتهيئته لمقارعة الفحول ومنازلة الأذكياء من العلماء
ولا يعني أن كل ما في هذه الكتب صحيح لكن يغلب عليها الصحة
إن النصح بالاقتصار على الكتب الأصولية الخالصة لأهل السنة أو أهل الحديث كالاعتصام والموافقات ومذكرة الشنقيطي ونحوها لا تكفي غير المتخصص لإتقان هذا العلم
- إن فضل هذا العلم وكونه آلة الفهم الصحيح وكونه يدخل في أغلب علوم الشرع كالخادم لها يدل على أن القدر الذي ينبغي أن يتعلمه غير المتخصص منه أكبر من القدر الذي ينبغي أن يتعلمه من أي علم آخر
فطبيعة هذا العلم وعلاقته مع باقي علوم الشرع يحتم ذلك الأمر ويكسبه تلك الخاصية وما أحق علم اللغة من مشاركته له في هذه الخاصية عند من عرف قدرها وأهميتها بالنسبة لعلوم الشرع
¥