• ما لم يعلم حكمه: وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع بيانا لمجمل جاء في القرآن أو في السنة ولم ينص– صلى الله عليه وسلم – على حكمه. ثلاثة أقول:
- واجب: في حقه وحقنا لقوله تعالى "فاتبعوه" ولقوله جل ذكره "وما آتاكم الرسول فخذوه" ولأنه أحوط وأبر للذمة.
- موقوف: لتعارض الأدلة في ذلك.
- مستحب: لأنه ثمة قدر مشترك بينه وبين الواجب وهو مطلوب الفعل، وإذا دل الدليل على أن فعلا مطلوب الإيجاد وتردد بين أعلى وأدنى حمل على الأدنى حتى يقوم دليل على أن المراد به الأعلى.
وقيل أنه لا فرق بين ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل القربة أو على سبيل العادة والجبلة فكله للندب وهذا القول عزاه أبو إسحاق الإسفراييني إلى أكثر المحدثين لعموم قوله تعالى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". إلا أنه يفرق بينهما – أي الفعل على سبيل القربة والفعل على سبيل العادة والجبلة- بأن الأول يدعى إليه والثاني لا يدعى إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع إليه. ويشهد لذلك حديث ابن عمر في البخاري أنه كان يلبس النعال السبتية ويصبغ بالصفرة فسئل عن ذلك فقال أما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها.
وورد أيضا أن الشافعي قال لبعض أصحابه اسقني فشرب قائما، والإمام أحمد تسرى واختفى في الغار ثلاثا وقال ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أنه احتجم وأعطى الحاجم دينارا.
فالمشهور عن أهل الحديث أن التأسي عندهم مطلق وليس مقيدا. وقد جاء في حديث الثلاثة نفر قول النبي صلى الله عليه وسلم "أما و الله إني لأخشاكم لله و أتقاكم له لكني أصوم و أفطر و أصلي و أرقد و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " فذكر أن ذلك كله من سنته حتى أنه عليه الصلاة والسلام لما لبس الخاتم لبسه الصحابة أيضا فلم ينكر عليهم.
والله تعالى أعلم
يتبع إن شاء الله
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[13 - 11 - 09, 09:25 ص]ـ
هذه تتمة النكت على باب الأفعال من نظم الورقات.
مسائل
الأولى: هل للفعل مفهوم؟
قالوا نعم ومثاله حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد فرأى في القبلة نخامة فحكها مفهومه أن ما كان أشد قذرا من النخامة يزال من باب أولى.
وإذا دل الفعل على الإباحة فليس له مفهوم مخالفة
وأما إذا كان بيانا لمجمل فيكون له مفهوم مخالفة لأن مفهوم المخالفة يأتي من تخصيص الحكم بتلك الحالة مثل قطع يد السارق من المفصل مفهومه أنه لا يجوز في غير هذا الموضع.
وأما ما دل على الندب فمفهومه يكون خلاف الأولى، مثاله تخليل الأصابع في الوضوء سنة ومفهومه أن تركه خلاف الأولى.
الثانية: هل التروك أفعال؟
قالوا نعم ودليله قول الله تعالى: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون" فسمى عدم نهيهم عن المنكر فعلا، ومن ذلك أيضا قول الشاعر: لئن قعدنا والنبي يعمل .... فذلك منا العمل المضلل. فسمى القعود عملا.
الثالثة: هل الترك يخصص العام؟
قالوا نعم، ومثاله أن كل مسلم أذا مات يجب تغسيله وتكفينه، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغسيل شهداء أحد دل ذلك على التخصيص.
ويتفرع عن ذلك مسألة رابعة وهي: ترك بيان الحكم هل يدل على عدم الوجوب؟
بمعنى أن إذا سأل أحد الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء فأجابه ولم يبين له أمرا آخر مما يتعلق به، فللعلماء في هذه المسألة أقوال أقواها أنه إذا كان السائل لا يعلم حكم أصل المسألة يكون عدم بيان ذلك يدل على عدم الوجوب ومثال ذلك حديث يعلى بن أمية في الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أحرم في جبة متضمخا بطيب فتركه النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءه الوحي فقال "أين الرجل؟ " فجيء به فقال " أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك " فلم يوجب عليه كفارة فدل ذلك على أنه لا تجب عليه لأنه لم يكن يعلم الحكم أصلا.
وإذا كان عنده معرفة بأصل الحكم، ومثاله الرجل الذي جاء وقال يا رسول الله هلكت وأهلكت. فقال ما صنعت؟ قال وقعت على أهلي في نهار رمضان، فقال أعتق رقبة، قال لا أستطيع ... الحديث ولم يوجب على الزوجة كفارة، فعدم الإيجاب هنا اقل درجة من حديث يعلى لأنه هنا كان يعلم حكم الأصل.
والله تعالى أعلى وأعلم
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[13 - 11 - 09, 07:06 م]ـ
باب النسخ
الفائدة 247
ثم قال رحمه الله:
120 ـ و لم يجز أن ينسخ الكتابُ ... بسنة بل عكسه صوابُ
وهو مذهب الشافعي وأحمد واختاره ابن قدامة وابن تيمية وابن باز رحم الله الجميع، فلا ينسخ القرآن عندهم إلا بقرآن مطلقا ولا تنسخه السنة ولو كانت متواترة، وحجتهم في ذلك قول الله تعالى "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" ولا يكون مثل القرآن أو خيرا منه إلا قرآن. وذهب الجمهور إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة دون الأحادية لأن الجميع وحي من الله تعالى والناسخ في الحقيقة هو الله عز وجل ومثاله تحريم الرضعات العشر بالخمس فإنه ثابت في السنة، وكذلك آية "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ" قيل أنها نسخت بحديث "لا وصية لوارث" - وهذا المثال فيه نزاع -
الفائدة 249
ثم قال رحمه الله:
121 ـ و ذو تواتر بمثله نسخ ... و غيره بغيره فلينتسخْ
122 ـ و اختار قومٌ نسخَ ما تواترا ... بغيره و عكسُه حَتْمًا يُرَى
والراجح خلاف ما ذهب إليه المصنف وذلك لأن محل النسخ هو الحكم والدلالة عليه بالمتواتر ظنية فهو في ذلك كالآحاد والكل وحي من الله تعالى ومحل النسخ إنما هو الحكم وليس اللفظ.
والتفرقة بين الآحاد والمتواتر في مثل هذه المواضع تفرقة بدعية بخلاف ما إذا كان التفريق بينهما في الإصطلاح من غير أن يترتب على ذلك أحكام من حيث القبول والرد فحينها لا مشاحة في الاصطلاح.
مستفاد من شرح الحازمي.
¥