[سؤال وجوابه ,,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله –]
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[10 - 10 - 08, 02:16 ص]ـ
سألنا جماعة من الأدباء بيانَ ما أثنى به الأعرابيّ على بعلته , وذكروا أنهم قرأوها في افتتاحية " البصائر " قريبة العهد , فما فهموا مرجعَ إشارتها , وسألوا عن البعلة – مؤنث البعل - هل هي فصيحة.
أما البعلة فهي فصيحة , ومن قرأ عرف , وأما ما أثنى به الأعرابي على بعلته , فهو إشارة إلى قوله يخاطب زوجته:
أثنى عليّ بما علمت فإنني ... مثنٍ عليك بمثل ريح الجوْرب
وريحُ الجورب من الرجل العرقة التي تمكث فيه أياماً , ولا تزور الماءَ إلا لماماً , وهو (طيب عاطر الأنفاس) فالثناء بمثله ثناء بأخبث شيئ في الدنيا , ولم يبق من استيفائه لشرائط المكروه إلا أن يصدر عن ذي فم أبخر ...
بهذه المناسبة – وإن كانت مستقذرة – أكرّر النصيحة لأدبائنا الكسالى , وأجعلُ هذه النصيحة غسولا للجورب ورجله , أن لا يقنعوا من الأدب بما يلقاهم منه في أيام الطلب في الكتب المقرّرة , فإن ذلك القدر النزر لا يربي ملكة , ولا يصقل ذهناً , ولا يكوّن أديباً , إنما يربي الملكات الأدبية الصحيحة ويقوّمها – الإدمان , إدمان القراءة المتأنية المتدبرة , لكتب الأدب الحرّة , الأصيلة , والاستكثارُ من حفظ الشعر واللغات والأمثال , ومعرفة مواردها ومضاربها , والتنبيه لمواقع استعمالها من كلام البلغاء , من شعراء وخطباء وكتّاب , ثم ترويض القرائح والألسنة والأقلام على المحاذاة , ذلك أدنى أن تستحكم الملكة , وتنقاد القريحة فتجري الأقلام على سداد , ويمدّها الفكر من تلك المعاني بأمداد , وتوضع الكلمات في الجمل , في موضع اللآلئ من العقد , وما جاء حسن العقد منظوماً , إلا من حسنه منثوراًَ , ثم تكون الحِكم والأمثال والنكت كفواصل الجمان , في العقود الثِّمان.
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[10 - 10 - 08, 02:18 ص]ـ
انتقاد. . ورده:
انتقد بعض الأدباء تجريدنا للشاعر محمد العيد من الألقاب التي هو أحق بها وأهلها , واقتصارنا في وصفه على لقب: (شاعر الحِكم والمثل). فيما صدرنا به قصيدته الحكيمة في احتفال بسكرة.
نحن نقول لهذا المنتقد المخلص , إننا جرّدنا شاعرنا من تلك الألقاب مخلصين , عن عمد , لأمرين خطيرين , أما الأول فهو أن هذه الألقاب الأدبية , أصبحت كالألقاب الحكومية , يتمجد بها من لا يستحق التمجيد , ليكملَ بها نقصه , ويُوازنَ بإيقاعها رقصه , حتى أصبح الناس متمردين في وجه الاستحقاق وعلته , أهو كماله لينقص بها؟ أم نقصه ليكمل بها؟
وقد أصبحت هذه الألقاب مورداً آجناً لكثرة طرّاقه , وأسرف الفارغون , في خلعها على الفارغين , ونظرنا ... فإذا هي لم تنفق كاسداً , ولم ينبه بها خامل , وإنما مكنت للزور , ومهدت , وسوّت بين السابق وبين المتخلف , فتعسر التمييز , واعتبِر أثرها في قائدين: (قائد) الجيوش في الميدان , و (قائد) الجحوش في الدوّار ,ذاك يبلغ المجد صاعداً , وهذا يريده قاعداً , فهل يستويان مثلاً؟ ولكن اللقب سوّى بينهما على رغمي ورغمك.
وكل شيئ كثرت فيه الدعوى , وعمت به البلوى , وجمع الاشتراك فيه أخلاطاً وأنماطاً , وعرباً صرحاء وأنباطاً , ترفعت عنه الهممُ العالية , وأذَاله التبذل فنزل به إلى قرارة البخس , وإن كان في نفسه جليلاً. وما بعبث خلق الله الناس طبقات , وجعله الأقدارَ درجات , وتقديره الأرزاق قسماً. وتوزيعه المواهب حظوظاً وحصصاً , كذلك .. ومابعبث تخصيصُ العرب كل نفيسة من الأشياء باسم يميزها من جنسها: ففي الشعر عيون , وما كله بعيون , وفي النساء عقائل , وما كلهن عقائل. وفي النجوم دراري , وما كلها دراري , وفي الجوهر فرائد , وما كله فرائد.
فإذا فسد الذوق , فأطلقنا الأسماء الخاصة على الجنس العام , وقلنا في الأمَةِ الوكعاء: إنها عقيلة نساء , وفي العنز الجرباء إنها كريمة مال , ثم أوغلنا في التشبيه على هذه الطريقة , فقنا في شموع (المولد): إنها كواكب دُرّية , وفي صواريخ الصبيان: إنها قنابل ذَرّية – إذا فعلنا ذلك أفسدنا اللغة أولا , ثم أفسدنا الأخلاق ثانياً , وملأنا العالمَ بالزور والغرور.
مما أفسد نظام الأمم كثرةُ الأمراء , ومما شوّه جمال الأدب في عصرنا كثرة الشعراء , ولم يكف ذلك حتى كثر فيهم أمراء الشعراء , ولقد كنا نسمع بملوك الطوائف في الحكم , ولكننا لم نسمع إلا في هذا العصر – بملوك الطوائف في النظم , ففي كل قطر شعراء وأمير شعراء , ينازعه حبلَ الإمارَة شاعر أو شاعران أو شاعرون (فقد مللنا جمع التكسير لكثرة ما تردد , كما سئمنا من مفهومه هنا لكثرة ما تعدّد) , وإن نتيجة النتائج لهذه الكثرة أن تنتهي إلى شيوعية في الأدب تقضي على جيده بذنب رديئه.
لو كانت هذه الألقابُ صاحبت ذويها كأسمائهم من يوم الولادة , لوسعنا العذرُ في السكوت على نقصها وشينها , كما وسعنا العذر فيمن سموه (منصوراً) فشبّ مخذولاً , ودعوه (نفيساً) فجاء مرذولاً , ولكنها تأتي مع الفتوّة أو مع الكبر , فواجب أن نحتاط لها , وأن لا نجعلها عناوينَ على الإحسان , وموازين للرجحان.
(عيون البصائر: 665)