تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إحياء العروض]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[29 - 08 - 08, 09:56 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

حكى ابنُ جِنِّي، في "الخصائص" عن الخليل: أنَّ الأصمعيَّ كان أراده على أن يعلِّمَهُ العَرُوض، فتَعَذَّر ذلكَ على الأصمعي وبعُدَ عنه، فيَئِسَ الخليل منه، فقال له يومًا: يا أبا سعيد، كيف تُقَطّع قول الشاعر:

إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ

قال: فعلمَ الأصمعي أنَّ الخليل قد تَأَذَّى بِبُعدِه عن علم العَرُوض، فلم يعاودْه فيه [1] ( http://www.alukah.net/articles/1/3386.aspx#_ftn1).

ليستْ صعوبةُ هذا الفَنِّ إذًا وليدةَ هذا العصر، ولا نتيجة من نتائج تَدَنِّي مستوى التعليم، أو ثمرةً أعقَبناها طولُ الأمد، وبُعْدُ الشُّقَّة، وتبلُّدُ الحسِّ، وتنوُّع فنون الأدب؛ وإنَّما هي مشكلة قديمة قِدَمَ هذا الفَنِّ نفسِه؛ إذ تَعُود إلى عصر الخليل واضعِ العَرُوض، وقد اصطَلَى بنارها الأصمعي، وهو مَن هو معرفةً بالشِّعر، ورواية له، ودرايةً بأساليبه وفُنُونه، ونقدًا لغُرَرِه وعيونه.

على أنَّ الخَطْبَ اليوم قد عمَّ؛ إذ سرى اعتياص هذا الفن إلى صُفُوف بعض المُدَرِّسين والمُتَخَصِّصينَ؛ بَلْهَ الطُّلاَّبِ والمُعَلِّمينَ؛ لضياع هذا العلم الجليل في زماننا، وقلَّة الاحتفال به وبأهله [2] ( http://www.alukah.net/articles/1/3386.aspx#_ftn2).

وبِتَّ تفتقد هذا الحسَّ العَرُوضي، لدى الكثرة الكاثرة مِن خِريجي الجامعات، ذَوي التَّخَصُّص الدَّقيق في العَرَبيَّة وآدابها، وصارَ الأمر إلى ما قاله أبو العلاء:

تَوَلَّى الخَلِيلُ إِلَى رَبِّهِ وَخَلَّى العَرُوضَ لِأَرْبَابِهَا

فَلَيْسَ بِذَاكِرِ أَوْتَادِهَا وَلاَ مُرْتَجٍ فَضْلَ أَسْبَابِهَا

أسباب صعوبة العَرُوض:

يوصَف العَرُوضُ بأنَّه: العلم الموسيقيُّ السَّهل بطبيعته، الصَّعب بطريقته، ولهذه الصُّعوبة أسباب مختلفة، يمكن أن نذكرَ منها:

1 - إغفال الصِّلة بين العَرُوض من ناحية، وبين الموسيقى والنَّغَم والإيقاع من ناحية أخرى، مع أنَّ الصُّلَة بينهما قديمة، تعود إلى نشأة العَرُوض وابتكاره، ولو عُدْنا إلى أخبار هذه النَّشأة لَوَقَفْنا على حقائقَ كثيرةٍ، تجلو هذه الصلة.

من ذلك ما رواه أبو الحسن الأَخْفَش، عن الحسن بن يزيد، أنه قال:

سألتُ الخليلَ بن أحمدَ عن العَرُوض، فقلتُ له: هَلاَّ عَرَفتَ لها أصلاً؟ قال: نعم، مررتُ بالمدينة حاجًّا، فبينما أنا في بعض طُرُقاتها، إذ بصُرت بشيخٍ على بابٍ يعلِّم غلامًا، وهو يقول له قل:

نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا

قال الخليل: فَدَنَوتُ منه، فسَلَّمتُ عليه، وقُلتُ له: أيُّها الشيخ، ما الذي تقوله لهذا الصَّبي؟ فذكر أنَّ هذا العلم شيء يَتَوَارثه هؤلاءِ الصِّبية عن سَلَفِهم، وهو علم عندهم يُسَمَّى "التَّنعيمَ"؛ لقولهم فيه: نعم.

قال الخليلُ: فَحَجَجْتُ، ثمَّ رجعتُ إلى المدينة، فأحكمتُها [3] ( http://www.alukah.net/articles/1/3386.aspx#_ftn3).

ومِن ذلكَ ما يُروَى: أنَّ الخليلَ كان يُقَطِّع بيتًا، فرآه ولده في تلك الحالة، فخَرَجَ إلى الناس يقول: إنَّ أبي قد جُنَّ، فدَخَلَ النَّاس عليه وهو يُقَطِّع البيتَ، فأخبروه بما قال ابنه، فقال له:

لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ عَذَرْتَنِي أَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تَقُولُ عَذَلْتُكَا

لَكِنْ جَهِلْتَ مَقَالَتِي فَعَذَلْتَنِي وَعَلِمْتُ أَنَّكَ جَاهِلٌ فَعَذَرْتُكَا

وقيل: إنَّ الخليل مَرَّ بالصَّفَّارين، فأخذ العَرُوضَ من وقع مِطْرَقَةٍ على طسْتٍ [4] ( http://www.alukah.net/articles/1/3386.aspx#_ftn4)، ولا ريب أن الخليل كان على علم جمٍّ بالموسيقى؛ بل إنَّ بعضهم ينسب إليه اختراع علم الموسيقى العَرَبيَّة، وتكاد مصادر ترجمته تُجْمع على أنَّه صَنَّف كتابًا في الإيقاع وآخرَ في النَّغَم [5] ( http://www.alukah.net/articles/1/3386.aspx#_ftn5)، قال عنه السيوطي: "وكذلك ألَّف كتاب "الموسيقى" فَزَمَّ - أي ربط - فيه أصناف النَّغَم، وحصر به أنواع اللُّحُون، وحدَّد ذلك كله، ولخَّصه، وذكر مبالغ أقسامه، ونهايات أعداده،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير