تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لأنَّ المحدَثَ إذا صادفَ كلمةً لا يعرِف مذهبَ العربِ في بعض تصاريفِها، فإنه يَحملُها على الكثيرِ الغالبِ. فإن اعترضه وجهانِ أو أزيدُ متقاربان في الكثرةِ، حملَ الكلمةَ عليهما معًا؛ ولو كانَ أحدُهما أكثرَ، كما في مصادر الثلاثيِّ، ومضارعه، وأبنية المبالغةِ. و (أستاذ) منَ الألفاظ التي لم يستعملها العربُ؛ فلما أردنا جمعَها للحاجة المعنوية، جمعناها جمعَ تكسيرٍ، كما هو القياسُ المطرِد؛ فقلنا: (أساتيذ) على الأصل، و (أساتذة) على الحذف، والتعويضِ. ولما كان معناها معنى المشتقِّ، جمعناها أيضًا جمع مذكر سالمًا، ولم نكتفِ بأحد الجمعينِ؛ إذْ كانا متقارِبَين في الكثرةِ، وكان القياسُ يُجيزُهما معًا، كما قالوا: (راكعون)، و (رُكَّع). وهذا الأصلُ في القياسِ يُفهَم من قولِ سيبويه رحمه الله: (وإذا جاء شيءٌ مثلُ " بُرَة " لم تجمعه العرب، ثم قِستَ، ألحقتَ التاء، والواو والنون، لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين جُمِعَ بالتاء والواو والنون، ولم يُكسَّر على الأصل) (6).

على أنَّ زعمَه أنَّ الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين أن يجمع بالتاء، والواو والنون، ليس صوابًا بإطلاقٍ؛ إذ الكثرة في ما حُذفت لامُه. أمَّا ما حُذِفت فاؤه، فلم يُسمع فيه إلا قولهم: (لِدون)، و (رِقون)، و (حِشون).

ويُفهَم هذا المذهب المتقدِّم من قوله أيضًا: (ولو سميته أيضًا بـ " شية "، أو " ظُبة "، لم تجاوز " شيات "، و " ظبات "، لأن هذا اسمٌ لم تجمعه العرب إلا هكذا؛ فلا تجاوِزنّ ذا في الموضعِ الآخَر، لأنه ثَم اسم، كما أنه ههنا اسم. فكذلك فقِس هذه الأشياء) (7)، وقوله أيضًا: (وأما " عِدةٌ "، فلا تجمعُه إلا " عِدات "، لأنه ليس شيءٌ مثل " عِدة " كُسِّر للجمع. ولكنك إن شئتَ، قلتَ: " عِدون " إذا صارت اسمًا، كما قُلتَ: " لِدون ") (8). وقد أصاب سيبويه في هذا الرأيِ؛ لكنه أخطأ بما ذكرَ في (عِدة) من وجهين:

الأول: أنه ناقضَ بهذا كلامَه في هذه المسألة؛ وهو أنَّ الكلمةَ لا يُتجاوَز بها بعد التسمية الجموعُ التي جمعتها العربُ عليها قبل التسمية؛ قالَ: (ولو سمَّيتَه بـ " شاة "، لم تجمع بالتاء، ولم تقل إلا: " شياهٌ "، لأنَّ هذا الاسم قد جمعته العربُ، فلم تجمعه بالتاء) (9)، وناقضَ أيضًا قولَه: (ولا يَجوز " ظبون " في " ظبة "، لأنه اسمٌ جُمِع، ولم يجمعوه بالواو والنون. ولو كانوا كسَّروا " رُبَة "، و " امرأ "، أو جمعوه بواو ونون، فلم يجاوزوا به ذلك، لم تجاوزه) (10). معَ أنهم قالوا: (ظبون)، وأنشدوا:

تعاور أيمانُهم بينهم ... كئوسَ المنايا بحدِّ الظبينا

الثاني: أنه ناقضَ بهذا أصلَه الذي احتجَّ به في مواضعَ؛ وهو (أنَّ الحمل إنما يكون على الغالب)، كما في ادِّعائه أنّك إذا سميتَ رجلاً بـ (اضرب) قطعتَ همزتَه، ولم تصلها، لأنَّك نقلتَها من حيِّز الأفعالِ إلى حيِّز الأسماء؛ والأكثرُ في الأسماء القطعُ (11). وكما ناقض هذا الأصلَ هنا، ناقضه أيضًا في ادِّعائه أنك إذا سميت رجلاً بـ (مِن)، لم تغيرها، لأنّها تشبه الأسماء نحو (يد، ودم) (12)، معَ أن (يد، ودم) قليلةٌ كقلةِ ما ابتدئ بهمزة الوصل من الأسماء.

الضربُ الثاني: أن يَّكون لفظًا جامِدًا. وله حالانِ:

الحال الأولى: أن يبلغَك عن العربِ فيه سَماعٌ. فحكمُه أن تستعملَه كما استعملوه، ولا تغيّره عن حالِه لاختلافِ المسنَد إليه تذكيرًا، وتأنيثًا؛ بل تطلقُ عليهما لفظًا واحدًا، سواءٌ كانَ حقيقةً، أم مجازًا.

فأما الحقيقةُ، فمعروفةٌ أمثلتُها، ولا خلافَ فيها. وأما المجاز، فنحوُ قولِهم: (هذا عضو مجمعِ كذا)، و (هذه عضو مجمع كذا)؛ إذْ كان هذا اللفظُ يدلُّ في حقيقة وضعِه على (العظم بلحمه)؛ ولكنَّ المحدَثينَ عدَلوا بهِ عن ذلك إلى ضربٍ من المجازِ، حينًا من (التشبيه البليغِ) كالذي تقدَّمَ، وحينًا من (الاستعارةِ) إذا حُذف المشبَّه؛ ألا ترى أنك إذا قلتَ: (هذه عضوُ مجمع كذا)، فكأنما قلتَ: (هذه في المجمعِ مثلُ العضوِ في البدنِ)؛ فتكونُ شبهتَها بالعضوِ. وذلك أنه يجمعُ بينَهما أنَّ كلاًّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير