عليه علماؤنا القُدَمَاء، والمُحْدَثُونَ.
أمّا الأسباب الَّتِي جعلت مولدَ النَّحْو على يد أبي الأسود، فترجع إلى علمه باللُّغَة العَرَبِيَّة وبغريبها، وإلى نضوجِ عقله وقوّة تفكيره؛ وإلى كثرة رحلاته وتنقّلاته، وإلى إجماع معظم النَّحْوِيِّيْنَ على أَنَّهُ نقّط المصحف تنقيطَ إعراب، وإلى اتّصاله بالإمام عليٍّ -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- الَّذِي تربّى في بيت النّبوّة، وشرب من معينها ما يجعله مضربَ المثل في العلم والمعرفة [28] ( http://www.hutteensc.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn30).
ويلخّص لنا الدُّكْتُور الحلوانيّ آليةَ وضع أبي الأسود النَّحْو، في قوله: «ترجع قيمةُ أبي الأسود الدُّؤَلِيّ في تاريخ النَّحْو، إلى أَنَّهُ هو أوّلُ مَنِ اتّجه بالدِّراسة اللُّغَوِيَّة إلى الاستقراء، والاستنباط، وكانت قبلَهُ تقوم على محاكاة الأَعراب والاختلاط بهم، وحفظ الشّعر، والأنساب، فتحوّل بها إلى وضع الضَّوابِط الدَّقِيقة، ورصد الظَّواهِر المتبدّلة في تراكيب العَرَبِيَّة» [29] ( http://www.hutteensc.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn31).
فقدِ ارتبطتِ المعالمُ النَّحْوِيَّة الَّتِي تَرَكَها أبو الأسود بواقع الحياة اللُّغَوِيَّة البسيطة في عصره، وقد عُنِيَ في معالمه هَذِهِ بدَفعِ اللَّحْن عن قراءة القرآن؛ حَيْثُ استخرج ضوابط الإعراب، بحسب ما تَوَافَرَ لديه من قدرات، ووسائل [30] ( http://www.hutteensc.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn32)، ولكن بأوّليّات لَمْ تكنْ تنضبط بالاصطلاحات المستعملة اليوم، ثمّ تضخّمت واتّسعت، إِلى أَنْ أصبحتْ عِلْمَاً له قوانينُ ومُصْطَلَحاتٌ ومدارسُ، خلّفت ثروةً أدبيّةً ولغويّةً، أمتعتِ الفكرَ، وغذّتِ العقولَ إلى اليوم [31]، يقول الأستاذ عَبَّاس حَسَن: «وإنّا لنذكرُ بالخيرِ في هَذِهِ المناسبةِ، تِلْكَ الطَّلائِعَ العِلمِيَّةَ من رجالات اللُّغَة والنَّحْو، ونسجّلُ بالإكبارِ وَعظيمِ التَّقْدِيْرِ فضلَهُمْ عَلَى اللُّغَةِ، بجمعها والعناية بفروعها، وَلاَ سِيَّمَا تأسيس النَّحْو، ونشيدُ بذكر طائفةٍ كانت في مُقَدِّمَة العامِلِيْنَ المُخْلِصِيْنَ، الَّذِيْنَ أسّسوا هَذَا العلم على أقوى الدَّعائم؛ وهم: عليُّ بنُ أبي طالب t، وأبو الأسود الدُّؤَلِيّ، وعبدُ الله ابن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء، والخليلُ بنُ أحمدَ، وسِيْبَوَيْهِ إمامُ النُّحَاةِ البَصْرِيِّيْنَ مؤلّفُ: "الكتاب" مرجعُهم الأَوَّل والأَكبرُ، والكِسَائِيّ، والفَرَّاء إِمَامَا الكُوفِيِّيْنَ، وغيرُ هَؤُلاَءِ مِنَ الرُّوَّاد، والأَئِمَّة الَّذِيْنَ زهت بهم القرونُ الثَّلاثَة الأولى من قرون الهجرة العظيمة، وكان لهم فضلُ السّبق في جمع اللُّغَة، ووضع النّحو» [32] ( http://www.hutteensc.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn34).
[1] المبارك، د. مازن، النَّحْو العربيّ (العلّة النَّحْوِيّة: نشأتها وتطوّرها)، ط1، المكتبة الحديثة، بيروت-لبنان، 1385هـ-1965م، ص7.
[2] ضيف، د. شوقي، المدارس النَّحْوِيَّة، ط2، دارالمعارف، مصر، د. ت، ص11.
[3] الحلوانيّ، د. محمّد خير، المفصّل في تاريخ النَّحْو العربيّ، ط1، مؤسّسة الرِّسالة، بيروت-لبنان، د. ت، ص32.
[4] قدّور، أحمد محمّد، المدخل إلى فقه اللُّغَة العَرَبِيَّة، منشورات جامعة حلب، حلب، 1412هـ-1991م، ص72.
[5] الأفغانيّ، سعيد، من تاريخ النَّحْو، دار الفكر، بيروت، د. ت، ص8.
[6] المرجع السّابق، ص8.
[7] النِّيْسَابُورِيّ، محمّد بن عبد الله الحاكم، المستدرك على الصّحيحين، ج2، رقم (3643)، ص477.
[8] الزُّبَيْدِيّ، أبو بكر، طبقات النَّحْوِيِّيْنَ واللُّغَوِيِّيْنَ، تحـ. محمّد أبو الفضل إِبْرَاهِيم، دار المعارف، مصر، 1373هـ-1954م، ص2 - 3.
[9] اللُّغَوِيّ، أبو الطّيّب، مراتب النَّحْوِيِّيْنَ، تحـ. محمّد أبو الفضل إِبْرَاهِيم، دار النّهضة، مصر، 1394هـ-1974م، ص24.
[10] والقراءة الصّحيحة للآيةِ: {أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}. سورة التّوبة، الآية 3.
[11] القُرْطُبِيّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد، الجامع لأحكام القرآن، مج1، ج1، دار الكتب العلمِيَّة، بيروت-لبنان، 1413هـ-1993م، ص20.
¥