تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بهَذَا النَّحْو إلى ما أفضى إليه في هَذِهِ المرحلة الباكرة من حياته، بَلْ إِنَّهُ كان حقيقاً أَنْ يقتصرَ على وضعِ ضوابط الصّحّة، والخطأ في كلام العرب. أمّا الفهم، فإنّه يقصد إلى البحث عن كلِّ ما يفيد في استنطاق النّصّ، وفي معرفة ما يؤدّيه التَّركيب القرآنيّ على وجه الخصوص، بوصفِهِ أعلى ما في العَرَبِيَّة من بيان، وَمِنْ هُنَا كانَ النّشاط النَّحْوِيّ القديم على الوجه الَّذِي نعرفه من كثرة علمائه، وتفرّعِ مذاهبه، ووفرة مادّته» [21] ( http://www.hutteensc.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn21).

ويعلِّل ذَلِكَ في كتابه "دروس في كتب النَّحْو"، تعليلاً ينحو فيه منحى آخرَ، بقوله: «ولو كانتِ الغايةُ منهُ حفظَ النَّصِ مِنَ اللَّحْن، لَما أنتجَ العربُ هَذِهِ الثَّروةَ الضَّخمةَ في مجالِ الدَّرْسِ النَّحْويِّ؛ ومحاولةُ "الفهم" هَذِهِ هي الَّتِي حدَّدَتْ مسارَ المنهجِ؛ لأَنَّهَا ربطتْ درسَ النَّحْو بكلِّ المحاولات الأخرى الَّتِي تسعى لفهم النَّصِ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ دراسة منهج النَّحْو عند العرب لا تكون صحيحةً إلاّ مع اتِّصالِها بدراسةِ العلومِ العَرَبِيَّة الأخرى، وَبِخَاصَّة الفقه والكلام» [22] ( http://www.hutteensc.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn22).

وتمتلئُ كتبُ الأدبِ والنَّحْو، والتّاريخِ، بنماذجَ لرواياتٍ كثيرةٍ، مختلفةٍ ومُتضاربةٍ، في تحديد أوّل مَنْ شرع يُسَجِّلُ بعضَ الظَّواهِر النَّحْوِيَّة، أو يبني شيئاً من الضَّوابِط الأوّليّة في فهم العلاقات بين عناصر التَّركيب الّلغويّ:

فيرى الزُّبَيْدِيّ: «أَنَّ أوّلَ مَنْ أصَّلَ ذَلِكَ، وأعملَ فكره فيه، أبو الأسود ظالم بن عمرو الدُّؤَلِيّ، ونصرُ بنُ عاصم، وعبدُ الرّحمن بن هُرْمز، فوضعوا للنَّحْوِ أبواباً، وأصَّلوا له أصولاً؛ فذكروا عواملَ الرّفعِ، والنّصبِ، والخفضِ، والجزمِ؛ ووضعوا باب الفاعل، والمفعول، والتّعجّب، والمضاف؛ وكان لأبي الأسود في ذَلِكَ، فضلُ السّبقِ، وشرفُ التّقدّمِ» [23] ( http://www.hutteensc.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn23).

ومرّ بنا قبل قليلٍ، روايةٌ تُرْجِعُ الأمرَ إلى الخليفةِ عمرَ بنِ الخطّاب y؛ إذ أمر أبا الأسودِ بوضعِ النَّحْو، فَوَضَعَهُ.

كَمَا رُوِيَ عنه أَنَّهُ كتب إلى أبي موسى الأشعريّ، ليوجِّهَ مَنْ يختارُهُ لتعليمِ العَرَبِيَّة، فَإِنَّهَا تدلُّ على صواب الكلام [24].

ومرّ بنا أيضاً، روايةٌ تُرْجِعُ ذَلِكَ إلى الخليفةِ عليِّ بنِ أبي طالب -كرّم اللهُ وَجْهَهُ- عندما أشار لأبي الأسود إلى الرّفع، والنّصب، والجرِّ، وأقسامِ الكلمةِ.

وخلاصةُ القولِ بالمشاكلة في هَذِهِ المسألة، أَنَّ أكثرَ الرّواةِ –قديماً، وحديثاً- يذهبونَ إلى أَنَّ واضعَ النَّحْو الأَوَّل هو أبو الأسود الدُّؤَلِيّ، بأمرٍ من الإمام عليِّ بنِ أبي طالب -عليه السّلام- ويبدو ذَلِكَ واضحاً فيما نقله الشَّيْخ محمّد الطَّنْطَاوِيّ، من قول ابن الأَنْبَارِيّ: «اِعْلَمْ -أيّدكَ اللهُ تعالى بالتّوفيق، وأرشدَكَ إلى سواء الطّريق- أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ علمَ العَرَبِيَّة، وأسّسَ قواعدَهُ، وحدَّ حدودَهُ، أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالب -عليه السّلام- وأخذَ عنه أبو الأسود الدُّؤَلِيّ» [25].

وهَذَا ما يذهبُ إليه الشَّيْخ محمّد الطَّنْطَاوِيّ، والأستاذ أحمد أمين، مِنَ المُحْدَثِيْنَ، يقول الشَّيْخ الطَّنْطَاوِيّ: «ولقد اتّفقَ العُلَمَاء -متقدّمين، ومتأخّرين- على أَنَّ أبا الأسود هو الَّذِي ابتكر شكلَ المُصْحف، فلَعَلَّ ذَلِكَ كان منه تكميلاً لِمَا بدأ به من القيام بِمَا يحفظُ على المسلمينَ كتابَهم الكريم، ولغتَهم الشّريفة، وما لَنَا نُنكرُ هَذِهِ النّقولَ الصّريحةَ، وقد وافقَ عليها الخلفُ بعدَ السّلفِ، عصراً بعد آخرَ، تِلْكَ الأزمنةَ المُتطاولةَ، وَلَمْ نَرَ مِنْهُمْ نكيراً؟» [26]، ويقول الأستاذ أمين: «ويظهر أَنَّ نسبةَ النَّحْو إلى أبي الأسود لها أساس صحيح؛ وذَلِكَ أَنَّ الرّواة يكادون يتّفقون على أَنَّ أبا الأسود قام بعملٍ من هَذَا النّمط؛ وهو أَنَّهُ ابتكر شكل المصحف ... ، وواضحٌ أَنَّ هَذِهِ الخطوة أوّليّة في سبيل النَّحْو، تتمشّى مع قانون النّشوء» [27]. فهَذَا ما يكاد يجمع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير