3 - الخمسة السابقة، واليمن والبحرين، ذكره أبو حاتم السجستاني، واشتهر هذا القول عنه، وهو خلال مرجح بالسلب، فلعل الصحيح عدم الإرسال لهذين المصرين.
وأما القول: إنه أرسل مصحفا لأهل (مصر) فهو شاذ، بل قد صرَّح الأندرابي في كتابه (الإيضاح) أن مصاحف مصر منسوخة عن المصحف الشامي.
وأما سؤاله عن نسبة المصحف برسم معين إلى مصر معين، فمع أن عثمان أرسل إلى كل مصر بمصحف، فإن أعيان هذه المصاحف مفقودة، لفعل الزمن، ولكثرة الاستخدام، بل إنه لا يوجد من المصاحف المكتوبة في القرن الأول: مصحفا كاملا، كل الموجود من تلك الحقبة بعض الرقوق الموزعة هنا وهناك، وهناك كمية كبيرة منها في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء في اليمن.
فالعلماء حين يذكرون الخلاف في رسم المصاحف التي أرسلها عثمان رضي الله إلى الأمصار هو عن نقل من رآها وشاهدها، أو رآى وشاهد المصاحف المنتسخة منها، لأنها حجج أيضا كما صرح بذلك الداني في (المقنع)، وكما هو فعل الأئمة في النقل عن المصاحف القديمة -في أمصارها المخلتفة- من مثل فعل الإمام أبي الحسن علي بن محمد السخاوي في شرحه للعقيلة، فإنه يعود كثيرا لمصاحف الأمصار المختلفة.
وأما سؤاله عن المصاحف المصرية اليوم، وعن مصحف المدينة النبوية،
فجوابه أنهما في الحقيقة مجموعين من كتب الرسم وكتب الرسم التي اعتمدت عليها اللجنة أولا في مصر ثم في مجمع الملك فهد هما كتابان: (المقنع) لأبي عمرو الداني، و (مختصرالتبيين) لأبي داوود سليمان بن نجاح، تلميذ الإمام الداني.
وهم في المصاحف المطبوعة أولا كانوا يقولون: (مع ترجيح الثاني عند الاختلاف) يعني أن اختيار الداني في رسم كلمة معينة؛ قد يخالف اختيار أبي داوود؛ فإذا حصل هذا الاختلاف رجحوا ما يختاره أبو داوود،
ولم يكن عملهم مطابقا لذلك، لأنهم كانوا في بعض الأحيان يرجحون ما يختاره الداني، ولذلك زادوا في (مصحف المدينة النبوية) كلمة (غالبا) وهو الصحيح.
وأما مسألة استيعاب هذين الكتابين لجميع كلمات القرآن، فغير خاف أنهم لم يشترطا جمع كلمات القرآن، ولم يفعلها ذلك، وانظر كلام الإمام ابن الجزري في النشر حال كلامه عن قراءة قوله عز وجل في سورة التوبة: (((أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام)))، فإن هاتين الكلمتين وهما (سقاية) و (عمارة) لم يتكلم الشيخان عن رسمها، بل هناك أكثر بكثير من هاتي الكلمتين،
وعليه فلا نستطيع أن نقول مثلا إن المصاحف التي طبعت في (مصر) أو في (المملكة) أو غيرها من الأقطار الإسلامية تتبع المصحف الكوفي أو غيره، لأنهم قد يخالفون في بعض الكلمات لأن صريح القراءة يوافق رسما غير رسم المصر الذي تنسب إليه القراءة،
وخذا هذا المثال فإن قوله سبحانه: (((وما علمته أيديهم أفلا يشكرون))) في سورة يس، كتبت في مصاحف أهل الكوفة: (((وما عملت أيديهم))) يعني بغير هاء الضمير، وحفص كوفي، ولكنه يقرأ الكلمة بالهاء، فلو رسمت الكلمة بغير هاء لخالفت قراءة حفص، فإثبتت الهاء لأنها مثبتة في المصاحف البصرية والشامية والمكية والمدنية، ولم يقولوا ما دام أن (حفص) كوفي فإننا سنرسم المصحف على ما يقوله أهل الكوفة، بل رسموه على ما يوافق لفظ القراءة، وورد أنه كذلك في مصاحف الأمصار الأخرى.
وهذا على القول إن كتب الرسم أحاطت بجميع كلمات القرآن، والصحيح أن كتب الرسم لم تحط بجميع الكلمات، وله تعليل يطول عليه هذا الموضع.
ولذلك لا يزال العلماء -من قديم وإلى الآن- يقولون: إن مصادر الرسم العثماني هي: 1 - المصاحف القديمة، 2 - وكتب الرسم، حتى يتكامل الأمر.
وجواب فضيلة الشيخ د. الطيار يعطي لمحة عن فعل اللجان المشرفة في طباعة المصحف، جزاه الله خيرا.
وأستغفر الله من الزلل والخطأ،
وأرجو المعذرة إن وجد خطأ في الكتابة، ولأني لم أعزو الأقوال؛ لأني كتبته مباشرة في الرد على الموضوع، وغير متيسر لي الآن العزو إلى المصادر.
والله حسبي ونعم الوكيل.
والحمد لله رب العالمين.
د. بشير بن حسن الحميري
التخصص الدقيق: (عد الآي ورسم المصاحف).