مبتكرات القرآن. هل سبق ابن عاشور أحدٌ في الاهتمام بها؟!
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[01 Apr 2005, 10:24 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لفت انتباهي وأنا أقرأ في التحرير والتنوير لابن عاشور اهتمامه بالتنبيه على ما يسميه: مبتكرات القرآن. والمراد بهذا النوع: ما استعمله القرآن من الألفاظ والأساليب والتراكيب مما لم يرد في كلام العرب قبله.
وقد بنى ابن عاشور على هذه المبتكرات بعض النتائج العلمية، وخاصة في مجال عزو الأبيات الشعرية إلى قائليها.
وهذا النوع يصلح أن يكون بحثاً علمياً ماتعاً. فهل من مشمر.
وقد جمعت له ما يقارب ستة وعشرين مثالاً من تفسيره، وهذه أهمهما أوردها بعد ذكر الآية التي أردها عند تفسيره لها:
{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (آل عمران: من الآية73) قال ابن عاشور: (وأحسب أنّ وصف الله بصفة واسع في العربية من مبتكرات القرآن.)
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (لأنفال: من الآية1)
قال: (وأعلم أني لم أقف على استعمال (ذاتَ بين) في كلام العرب فأحسب أنها من مبتكرات القرآن.)
{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} (ابراهيم: من الآية9)
قال: (وهذا التركيب لا أعهد سبق مثله في كلام العرب فلعله من مبتكرات القرآن.)
{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (الانبياء: من الآية33)
قال: (ومن بدائع الإعجاز في هذه الآية أن قوله تعالى: {كُلٌّ فِى فَلَكٍ} فيه محسّن بديعي فإن حروفه تُقرأ من آخرها على الترتيب كما تُقرأ من أولها مع خفة التركيب ووفرة الفائدة وجريانه مجرى المثل من غير تنافر ولا غرابة، ومثله قوله تعالى: {ربك فكبِّر} (المدّثر: 3) بطرح واو العطف، وكلتا الآيتين بني على سبعة أحرف، وهذا النوع سمّاه السكاكي «المقلوبَ المستوي» وجعله من أصناف نوع سمّاه القَلب. وخص هذا الصنف بما يتأتى القلب في حروف كلماته. وسمّاه الحريري في «المقامات» «ما لا يستحيل بالانعكاس» وبنَى عليه المقامة السادسة عشَرة ووضح أمثلة نثراً ونظماً، وفي معظم ما وضعه من الأمثلة تكلف وتنافر وغرابة، وكذلك ما وضعه غيره على تفاوتها في ذلك والشواهد مذكورة في كتب البديع فعليك بتتبعها، وكلما زادت طولاً زادت ثقلاً.
قال العلامة الشيرازي في «شرح المفتاح»: وهو نوع صعب المسلك قليل الاستعمال. قلت: ولم يذكروا منه شيئاً وقع في كلام العرب فهو من مبتكرات القرآن.)
{إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} (المؤمنون: من الآية100)
قال: (وقوله: {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} تركيب يجري مجرى المثل وهو من مبتكرات القرآن.)
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (محمد: من الآية4)
قال: (والأوزار: الأثقال، ووضع الأوزار تمثيل لانتهاء العمل فشبهت حالة انتهاء القتال بحالة وضع الحمّال أو المسافر أثقاله، وهذا من مبتكرات القرآن.)
{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (الحاقة:46) قال: (ولم أقف على أن العرب كانوا يكنّون عن الإِهلاك بقطع الوتين، فهذا من مبتكرات القرآن.)
{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} (النبأ:16) قال: (فوصف الجنات بألفَاف مبنيّ على المجاز العقلي لأن الالتفاف في أشجارها ولكن لما كانت الأشجار لا يَلتفّ بعضها على بعض في الغالب إلا إذا جمعتها جنة أسند ألفاف إلى جنات بطريق الوصف. ولعله من مبتكرات القرآن إذ لم أر شاهداً عليه من كلام العرب قبل القرآن.)
{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الشورى:3) قال (وإذ لم يتقدم في الكلام ما يحتمل أن يكون مشاراً إليه بـ {كَذَ?لِكَ} عُلم أن المشار إليه مقدر معلوم من الفعل الذي بعد اسم الإشارة وهو المصدر المأخوذ من الفعل، أي كذلك الإيحاء يوحي إليك الله. وهذا استعمال متّبع في نظائر هذا التركيب كما تقدم في قوله تعالى: {وَكَذَ?لِكَ جَعَلْنَـ?كُمْ أُمَّةً وَسَطًا} في سورة البقرة. وأحسب أنّه من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثله في كلام العرب قبل القرآن. وما ذكره الخفاجي في سورة البقرة من تنظيره بقول زهير:
كذلك خِيمهم ولكلِّ قوم إذا مسَّتهم الضّراء خِيم
¥