[ما المقصود بالاستفزاز]
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[26 Mar 2005, 10:13 م]ـ
الاخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استوقني تفسير المفسرين لمعنى الاستفزاز في قوله تعالى: " أَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا " في سورة الإسراء: 103
حيث اتفقوا على ان المقصود إخراجهم من مصر وقيل قتلهم.
مع ان هدف فرعون ابقاءهم في مصر لخدمته، وكل هم سيدنا موسى إخراج بني إسرائيل من مصر
ولما رجعت الى كتب اللغة وجدت المعنى نفسه
فهل هذا معقول؟!
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Mar 2005, 11:30 ص]ـ
مادة (فزز) في اللغة العربية تأتي بمعنى الإزعاج والإفزاع كما ذكر أصحاب المعاجم كلسان العرب. وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، كلها في سورة الإسراء هي:
الأول: قوله تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) الإسراء 64
الثاني: (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً) الإسراء 76
الثالث: (فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً) الإسراء 103
وهذا الفعل يتعدى بنفسه كما في قوله: ((واستفزز من استطعت منهم بصوتك).
ويتعدى بحرف (من) كما في قوله: (يستفزونك من الأرض) وقوله: (يستفزهم من الأرض).
فإن تعدى الفعل بنفسه كان بمعنى الإزعاج والاستخفاف للفؤاد. قال في لسان العرب: (استفزَّهُ: خَتَلَهُ حتى ألقاه في مهلكةٍ، واستفزَّه الخوفُ أي استخفَّهُ).
وإن تعدى بـ (من) كان بمعنى الإخراج والاستئصال بالقتل أو الطرد. قال في لسان العرب: (واستفزه من الشيء: أخرجه). وقال ابن عباس في تفسيرها: (يستأصلهم من الأرض)، فضمَّن الفعلَ (يستفز) معنى الاستئصال فعدَّاه بِمِن. وهذا الفعل (فزز) فيه معنى الاضطراب والخفة لشدة الخوف والفزع، حتى قال أبوعبيد: (أفززتُ القومَ وأَفزعتُهُم سواءٌ). والذي يظهر لي أن المعنى الأصلي والدقيق للاستفزاز هوالأول (الإزعاج والاستخفاف للفؤاد) وأَنَّ (الخوف والهرب وربما الموت من شدة الاضطراب والهلع) من نتائج المعنى الأول للكلمة. وهذا المعنى الأصلي هو معنى الاستفزاز في كلامنا اليوم، فإنه بمعنى الاستثارة، والإزعاج، مما يدعو للتحفز والتوثب للخوف أو الهرب أو الانتقام أو غير ذلك.
والآية التي وقع السؤال عنها، وهي قوله تعالى: {فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً} حسب التقعيد السابق تكون بمعنى الإخراج. وهذا صحيح أن فرعون بعد أن لحق بهم كان يريد طردهم على وجه الذلة والخزي، أو قتلهم أو استعبادهم على وجه أشد من ذي قبل، وإن كان قبل أن يتبعهم لم يوافق على طلب موسى بأن يأذن لهم في الخروج معه، ويريد بقاءهم لاستعبادهم وجعلهم في خدمته.
والمفسرون كما ذكرت أخي عبدالرحيم في سؤالك كلهم يفسرون الاستفزاز في الآية بمعنى الإخراج دون توقف عند المعنى الذي استوقفك والذي يدل على فقهك وفطنتك.
ولذلك لم يتوقف عندها الطبري فقال في تفسيرها: (فأراد فرعون أن يستفز موسى وبني إسرائيل من الأرض). ولم يزد على ذلك، فكأَنَّ (يستفزُّ) عنده بمعنى (يُخرجُ) فلم يشرحها. وقال القرطبي: (أي أراد فرعون أن يُخرجَ موسى وبني إسرائيل من أرض مصر بالقتلِ أوالإبعاد) 10/ 338. غير أن الاستفزاز ليس معنى مطابقاً للإخراج، بل هو أعم منه بدليل قوله تعالى: (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً) فقد جعل الإخراج من مكة دون الرجوع إليها علةً للاستفزاز، فدل على أن الاستفزاز معنى أعم من الإخراج، وإنما هو الإخراج على وجه الخوف والاضطراب والهلع.
وأَما القاسميُّ فقد أَلْمَحَ إلى المعنى الذي ذكرته أعلاه للكلمة فقال: (أي يُفزعهم ويزعجهم بِما يَحملِهم على خِفَّةِ الهَرَبِ فَرَقاً منه. أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال). فالشطر الأول لكلامه يدل على أَنَّ المفردة تدل في أصلها على الإفزاع والإزعاج بما يحملهم على الهرب خوفاً منه ومن بطشه، وهذا المعنى تؤيده آية أخرى، وهي قوله تعالى: (فلما ترآءا الجمعان قال أصحاب موسى إِنَّا لمدركون) [الشعراء:61] ودخل الخوف نفوسهم من بطش فرعون.
وأختم بما يمكن أن يبدو في الآية التي وقع السؤال عنها من معنى الاستفزاز الذي وقع على فرعون نفسه، حيث دخله الاضطراب والانزعاج والخفة لَمَّا سَمِعَ بِخُروجِ موسى ببني إسرائيل، فخرج مسرعاً مستعجلاً لحتفه وهلاكه، فكأَنَّ الاستفزازَ (بمعنى الخفة والاضطراب) في حقه أصدقُ منه في حقِّ موسى عليه الصلاة والسلام وقومه، بدليل تسرعه في اقتحام البحر مع خطورة هذا القرار الذي اتخذه، والذي كان فيه هلاكه وقومه، ولكنها حكمة الله وإرادته وانتقامه سبحانه وتعالى. فلعل التعبير بهذه اللفظة (يستفزهم) تشير إلى هذه الدلالات التي أحاطت بتلك الحادثة مجتمعة والله أعلم وأستغفر الله من الخطأ والزلل.
¥