[كليات القرآن]
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[30 Nov 2004, 04:45 م]ـ
كُلِّياتُ القرآنِ تُطْلق ويُرادُ بها: الألْفاظُ والأساليبُ الواردة في القرآنِ على معنىً مُطَّرِد. (1)
وهذهِ الإطْلاقاتُ الكُلِّية يُطْلقها بعضُ المفسِّرينَ وعُمْدتهم في ذلكَ هو اسْتِقْرَاءُ القرآنِ الكريم بحيثُ يقفُ المفسِّرُ على عادةِ القرآنِ وطريقته في هذا اللفظِ أو الأسلوبِ، قالَ الشنقيطيُّ رحمه الله:"وقد تقرّرَ في الأصولِ، أنّ الاستقراءَ التامَّ حُجَّةٌ بلا خِلاف". (2)
ولِلمفسِّرينَ في إيرادِ الكُلِّيات طريقتان:
الطريقة الأولى: الإطْلاق؛ كقولِ ابن عباس رضي الله عنهما وابنِ زيد:" كُلُّ شيءٍ في القرآن رِجْزٌ فهو عذاب ". (3)
الطريقة الثانية: الإطْلاق مع الاستثناء، وتُسمّى " الأفْراد "، وهو نوعٌ مِن الكُلِّياتِ؛ لأنّ الاستثناءَ مِعْيار العمومِ كما هو مُقرَّرٌ عند أهل العلم. (4)
مثاله:
قال ابن فارس:" ما في القرآنِ مِنْ ذِكْر البعْلِ فهو الزَّوْجُ، كقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنّ} (البقرة: من الآية228) إلا حرْفًا واحدًا في الصافّات: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} (الصافات:
من الآية125)، فإنّهُ أرادَ صَنَمًا " نَقلَهُ الزركشيُّ. (5)
وقد اعتنى بهِ الصحابة والتابعون كما تقدّم مثالُه عن ابن عباس رضي الله عنهما وعبد الرحمن بن زيد بن أسْلم، وكذا منْ جاء بعدهم من المفسِّرين، وأوّلُ من ذُكِرَ أنّهُ جمعها في كتاب: الإمام اللغويّ أحمد بن فارس، في كتابه: الأفْراد، وقد ضَمَّنَهُ الزركشيُّ في كتابه: البرهان في علوم القرآن (6)، والسيوطيُّ في كتابه: الإتقان في علوم القرآن. (7).
وللرّاغب الأصفهانيّ اهتمامٌ بها في كتابه: المفْردات،جَمَعها في الفهْرس مُحقِّقُ كتابِ المفْردات. (8)
وينبغي التنبّهُ إلى أنّه ليسَ كُلُّ ما يذْكُره المفسِّرون مِن الكُلِّياتِ مُسَلَّمٌ؛إذْ رُبّما يكون الاستقراء غيرَ تامٍّ، ومِن أمْثلةِ ذلك:
تقدّم عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما وابن زيدٍ" أنّ كلَّ شيءٍ في القرآن رِجْزٌ فهو عذاب "، وهذا الاستقراءُ غيرُ تامٍّ قالَ ابنُ فارس:" كلُّ حرْفٍ في القرآن منْ " رِجْز " فهو العذاب،كقوله تعالى في قصّة بني إسرائيل: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} (الأعراف: من الآية134) إلا في سورة المدّثّر: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر:5) فإنّه يعني به الصَّنَمَ فَاجْتَنِبُوا عبادتَه ". (9)
ومِمّنْ فسَّر الآية بالصَّنَمِ ابنُ عباس رضي الله عنهما وابنُ زيد. (10)
قُلْتُ: وحَصْرُ ابنُ فارسٍ أيضًا غيرُ تامٍّ، إذْ يَخْرُج منهُ أيضًا قوله تعالى: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} (الأنفال: من الآية 11)، والمرادُ برجز الشيطانِ هو ما يوسوس به ويدعو إليهِ مِن الكُفْرِ والبهتانِ والفسَاد. (11)
ومن الأمثلة أيضاً:
قالَ السيوطيُّ:" أخْرجَ ابن أبي حاتم عن ابنِ عباسٍ:كُلُّ شيءٍ في القرآنِ " أوْ " فهو مُخَيَّر". (12)
قلت هذه القاعدةُ الكُلَِّية يُعَكِّرُ عليها بعض الأمور:
الأمر الأول: ما أخْرجهُ البيهقيّ في سُنَنه عن ابن جُريْج قال:" كُلُّ شيءٍ في القرآن فيه " أوْ " فَلِلتَّخْيير، إلا قوله: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (المائدة: من الآية33) ليس بمُخَيّر فيهما ". (13)
قُلْتُ: وهذا على أحدِ الأقوالِ في تفسير الآية،والقولُ الثاني أنّ " أوْ " فيها للتَّخْيير،
قالَ ابنُ كثير رحمه الله:" ومُسْتند هذا القولِ أنّ ظاهرَ " أوْ " للتَّخْيير كما في نظائرِ ذلكَ مِن القرآنِ " (14)، وهو قولُ المالكيّة وطائفةٌ مِن أهل العلْم. (15)
قُلْتُ: تَبيَّنَ أنَّ اسْتثناء ابن جُريْج غيرُ مُتَّفقٍ عليه؛ ولِذا فلا يصحُّ الاعتراضُ به على هذه الكُلِّية.
الأمْر الثاني: قال الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} (الانسان: من الآية24)
ليسَ المقْصودُ بهذه الآية تخْييرُه في طاعةِ أحدِهمَا وإنّما المرادُ لا تُطعْ واحدًا منهما، فـ " أوْ " في النَّهي نَقِيضَةُ " أوْ " في الإباحةِ. (16)
الأمْر الثالث: مِنَ المعلوم أنّ لـ " أوْ " معاني متعدّدة غير التَّخْيير واردٌ بعْضها في القرآن؛ انْظُرْهَا مع أمْثلتها عندَ ابن هشام، والسيوطيّ. (17)
¥