[من غرائب التأويل!]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Apr 2005, 06:30 ص]ـ
الباطنية يفسرون القرآن الكريم على وجهٍ لا علاقةَ لَهُ بلغةِ القرآنِ ولا سياقهِ، ولهم تأويلات غريبة، تَصِلُ بكَ إلى الضحكِ، وصنيعهم هذا قديم، وقد كان السَّلفُ يردونَ عليهم هذه التأويلات ويُبْطِلونَها، ومن طرائف التأويل وإن لم يكن تأويلاً للقرآن، إِلاَّ أَنَّهُ شبيهٌ به، وقد تذكرت هذه القصة عندما أوردها أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وفقه الله في مُحاضرتهِ عن (التفسير بين العقل والنقل) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=3237) ، فرجعت للقصة كاملة وأحببت إيرادها للفائدة، والمشاركة في معرفة معاناة المتقدمين وردهم لمثل هذه التأويلات الغريبة للقرآن الكريم، ولعل الإخوة الفضلاء يذكرون طرائف مشابهة من تأويلات القرآن.
قال عامر الشعبي رحمه الله: ما أَشبهَ تأويلِ الرافضةِ للقرآنِ بتأويلِ رجلٍ مضعوفٍ مِن بَني مَخزوم مِن أهلِ مكةَ، وجَدتهُ قاعداً بفناءِ الكعبةِ، فقال للشعبيِّ:
ما عندك في تأويلِ هذا البيت؟ فإِنَّ بَني تَميم يَغلطونَ فيه، فيزعُمونَ أَنَّهُ مِمَّا قيلَ في رَجلٍ منهم، وهو قولُ الشاعرِ:
بيتٌ زُرَارَةٌ مُحْتَبٍ بِفِنائِهِ * ومُجاشِعٌ وأَبو الفَوارسِ نَهْشَلُفقلتُ له: فما تقولُ أنتَ؟
قال: البيتُ هو هذا البيتُ، وأشار بيده إلى الكعبة!
وزُرارة: الحِجْرُ، زُرِّرَ حول الكعبة!
فقلتُ له: فمُجاشع؟ قال: زَمزمُ، جشعت بالماء!
قلت: فأبو الفوارس؟ قال: هو أبو قُبَيسٍ، جَبَلٌ بِمكةَ!
قلت: فنَهْشلُ؟ ففكَّر فيه طويلاً، ثُمَّ قال: أصبتهُ، هو مصباحُ الكعبةِ، طويلٌ أسودُ، وهو النَّهشَلُ!
انظر: العقد الفريد لابن عبدربه1/ 269، عيون الأخبار لابن قتيبة 2/ 146
والبيت المذكور أحد أبيات قصيدة مشهورة للفرزدق يناقض بها قصيدة لجرير رحمه الله. ومن أبيات قصيدة الفرزدق:
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا= بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ
بَيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما بَنى= حَكَمُ السَماءِ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ
بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنائِهِ = وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ
يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوا=بَرَزوا كَأَنَّهُمُ الجِبالُ المُثَّلُ
لا يَحتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُم= أَبَداً إِذا عُدَّ الفَعالُ الأَفضَلُ
ضَرَبَت عَلَيكَ العَنكَبوتَ بِنَسجِها= وَقَضى عَلَيكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُوهي قصيدة من جياد قصائد الفرزدق.
والبيت الذي أخطأ المخزومي في شرحه شرحه أبو عبيدة في شرح النقائض فقال:
قوله: زُرارة، يعني زرارة بن عُدُس بن زيد بن عبدالله بن دارم بن مالك.
ومُجاشع بن دارم.
ونَهشل بن دارم.
قال أبو عبدالله: سمعت بعض ولدِ عُطارد بن حاجب بن زرارة يقول: ليس في العرب إلا عُدَس بفتح الدال إلا في تميم فإنه عُدُس بضمها.
شرح النقائض 1/ 292
ـ[ابن الشجري]ــــــــ[20 Apr 2005, 02:44 م]ـ
لعل من نظائر ماذكرت أخي الكريم وإن كان سبب التعلق الطرافة فقط، ماذكره المفسر الكبير العلامة الشنقيطي رحمه الله في رحلته المشهورة.
فقد ذكر أنه أثناء ترحاله ومروره بالسهل والحزن، ومذاكراته العجيبة والتي شملت أغلب فنون علم الشريعة، وماكان يدلي به رحمه الله من أجوبة تبهرالعقل وتأخذ باللب، لكمال ملكته العلمية رحمه الله قال: (وربما حضر مذاكرتنا بعض العوام الذين لايفهمون، ومن جهلهم أن واحدا منهم قال لنا بكلامه الدارجي مامضمونه: إنه يغبطنا ويغار منا بسبب أننا نمر بأرض السودان التي فيها موضع شريف! قلنا له: وما ذالك الموضع الشريف؟ قال الخرطوم. قلنا: وأي شرف للخرطوم؟ قال: لأنه مذكور في القرآن العظيم في قوله تعالى (سنسمه على الخرطوم) فقلنا له: ذلك خرطوم آخر غير الخرطوم الذي تعني! فضحك من يفهم من الحاضرين) أهـ
ولعل الله يسهل بمنه وكرمه، أن يكون هناك وقفة مع بعض جوانب حياة هذا الرجل الفذ في علمه وزهده، يدلي كل فيها بما ليس في ترجمته مما أسنده عنه أو استظهره من كتبه، ولولا عدم المناسبة لسطرت هنا بعض الشئ، ولكن نترك فضل الأسبقية لأهل التفسير فهم أحق به منا.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[20 Apr 2005, 05:37 م]ـ
أخي عبد الرحمن
ألا ترى أن الشيء المستطرف مقبول، وتجد له النفس حلاوة، أفلا ترى أن ما ذكرته يدخل في غرائب التأويل وعجائبه، ولغلاة الرافضة والباطنية والقرامطة في ذلك ما لا ينقضي منه عجب العالم.
ويظهر أنه إنما وقعت طرافته من كون قائله عاميًّا اعتمد على خزعبلات عقله، ففسر البيت، لكن لا يُسمى مثل هذا التأويل لكتاب الله بالطريف، والله أعلم.
ولقد ذكرتني باستطرادك في ذكر القصيدة التي منها البيت، ثمَّ ذكرك فائدة تتعلق بهذه القصيدة منهج أسلافنا في الأمالي حيث يوردون الفائد تلو الأخرى على غرار ما يسمى بتوارد المعاني.
وياليتك وابن الشجري ـ لما ظهر منكما من اقتدار في هذا ـ أن تتحفونا بين الفينة والأخرى بمقالات نُحمِض فيها، وتكون لنا ـ روَّاد الملتقى ـ مرتعًا خصبًا من ذلك الأدب العالي ومن نقده المتميز الذي يبين فضائل الكلام، ومحاسن التعبير، ومفارقات كلام البلغاء بالموازنة والنقد والتحليل.
وإن لم يكن ما تمنيته، فأقول ما قال الشاعر:
منًى إن تكن حقًّا تكن أصدق المُنَى ... وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدًا.
¥