تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ما منهج أبي بكر الصديق في تدوين القراءات؟]

ـ[أحمد القصير]ــــــــ[14 Apr 2005, 05:42 م]ـ

المشهور في كتب علوم القرآن أن الصحف التي أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكتابتها كانت مشتملة على الأحرف السبعة، فهل من دليل على كونها كذلك؟ وما المنهج الذي اتبعه في الرسم عند تعدد القراءات في آية ما؟

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[16 Apr 2005, 02:23 م]ـ

أخي الكريم أحمد القصير

سؤالك هذا من عويص مسائل علوم القرآن، وهو من المشكلات في جمع القرآن الكريم، وسأدلي لك ببعض الأفكار حول هذه المسألأة، وهي ليست نهائية، بل ما زالت قيد المدارسة والنقاش، وإن كنت أميل إليها، فأقول:

أولاً: هذا الحكم يُبنى على معنى الأحرف السبعة عند القائل به، وذلك ما لم أره قد تبيَّن عند من قال به.

ثانيًا: هل المراد بالكتابة حفظ النصِّ المقروء بجميع صورِه، أم حفظ أصل يُرجَعُ إليه في حال الاختلاف، ويكون مستندًا لمن يجيء بعد أبي بكر رضي الله عنه؟

وجواب ذلك أن كتابة النصِّ بجميع صوره المقروءة ممكنة عقلاً فيما يمكن رسم صورته، وممتنعة فيما يتعلق بالصوتيات؛ كالإمالة والإدغام والإشمام وغيرها.

لكن هل ثبت يقينًا أنه كتب جميع الصُّورِ المنطوق بها؟

الذي بين أيدينا من المصحف العثماني فيه بعض صور المرسوم التي استُغني عن كتابتها، وثبتت قراءته بوجهين، ومن ذلك (الصراط، ضنين، لأهب).

قال أبو داود سليمان بن نجاح في كتابه مختصر التبيين لهجاء التنْزيل (4: 828): ((وكتبوا في جميع المصاحف (لأهب) بلام ألف، وقرأ نافع من رواية ورش عنه، والحلواني وسالم بن هارون عن قالون، وأبو عمر بياء مفتوحة بين اللام والألف على إخبار المتكلم، وكذا روى إسماعيل والمسيبي عن نافع وأحمد بن صالح عن قالون عنه، وابن جبير عن أصحابه)).

وهذا يدلك على أنه لا يلزم كتابة جميع صور المقروء، بل الاعتماد على المحفوظ من المقروء هو المقدَّم في هذا الباب، لكن لا يوجد نقص في لفظة، بحيث تُقرأ ولا توجد لها صورة مرسومة.

وبهذا يمكن القول بأن كتابة المصحف في عهد أبي بكر حوت صورة المقروء، ولو أهملت بعض وجوه الاختلاف في المرسوم؛ لأنَّ المقصود الأكبر الاحتفاظ بالقرآن مكتوبًا، وما قام به أبو بكر ـ لو كان بوجه من وجوه المرسوم ـ متعيِّن في حفظ القرآن.

وفهم هذه المسألة ـ وهي علاقة الملفوظ بالمرسوم ـ تحلُّ إشكالات كثيرة فيما يتعلق بتدوين المصحف وجمعه.

ثالثًا: مما يمكن الاستناد إليه في هذا معرفة علاقة عمل عثمان في المصاحف بعمل أبي بكر قبله، وهذا مما دخله الاحتمال العقلي، حتى صارت هذه الاحتمالات ـ عند بعضهم ـ كاليقين، وليس الأمر كذلك، والذي يظهر ـ والله أعلم ـ ما يأتي:

أنَّ عثمان أراد بعمله هذا أن يكون بين المسلمين مرجعًا يرجعون إليه، ولا يختلفون فيه، وكان عمدته في هذا عمل أبي بكر، فأخذ ما في مصحف أبي بكر، وفرقه بين المصاحف ـ إن كان كتبه بوجوه مختلفة من الرسم، أو أضاف إليه رسم بعض الوجوه المقروءة ـ ولم يحذف منه شيئًا، ومن زعم غير ذلك فعليه الدليل.

كما أنه يظهر أنَّ عمل أبي بكر كان جمعًا لمتفرِّقٍ، حيث كان القرآن مكتوبًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدوات متفرقة كما هو معروف، فجمعه أبو بكر في مصحف واحدٍ، ثم جاء عثمان ففرَّق ما في مصحف أبي بكر، ولم يكتف بذلك، بل أرسل مع كل مصحفٍ قارئًا يقرئ الناس بما في هذا المصحف، وما ذاك إلا لأن القراءة قاضية على الرسم، لذا قرأ بعضهم (بظنين، السراط، ليهب) مع اتفاق المصاحف بكتابتها بغير هذه الصورة.

كما أنَّ الأصل الذي يدل عليه العقل أن يكون عين المكتوب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عين المكتوب في عهد أبي بكروعثمان، وإن كان ثمَّت اختلافٍ ففي طريقة كتابته، وهو ما يدخل في باب التنوع في الرسم فحسب، وإلا فالقرآن كاملٌ منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وما مات إلا وقد عُرِف ما هو قرآن باقٍ مما ليس بقرآن، وجهل بعض الصحابة بشيء من ذلك لا يعني صحة اختلافهم مع إجماع غيرهم على خلافهم.

هذه بعض أفكار حول الموضع، وإن لم تكن قد أجابة بعين ما نريد، لكنها صالحة للمدارسة والمناقشة، والله الموفق للصواب.

ـ[أحمد القصير]ــــــــ[17 Apr 2005, 12:05 ص]ـ

أستاذي الكريم:

لعلك تلاحظ معي أن الروايات التي اهتمت بنقل أحداث وتفاصيل كتابة القرآن في عهد أبي بكر لا تكاد تجد فيها تعرضاً وتفصيلاً لمشكلة الأحرف السبعة، أفلا يكون هذا دليلاً على أن أصل هذه المشكلة لم يكن حينئذ، وفي نظري أن اللجنة المختصة بالكتابة لم تتعرض لمسألة الأحرف السبعة وكيفية تدوينها، ولو فعلت لواجهت بعض المشكلات والتي ستكون محل نقاش بين الصحابة رضوان الله عليهم، وبالتالي فإن الروايات ستسلط الضوء على شيء من هذه النقاشات لتنقل إلينا بعضاً منها، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، أفلا يكون هذا دليلاً على أن أصل المشكلة لم يكن حينئذ.

ومما يقوي هذا الاحتمال أن الروايات نقلت لنا تفاصيل أخرى هي أقل من مشكلة الأحرف السبعة، كالآية التي في آخر سورة التوبة حيث لم توجد إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، وهذا مما يقوي دعوى أن مشكلة الأحرف السبعة لم تطرح في مشروع كتابة القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. والله تعالى أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير