[من أسرار البيان في أمثال القرآن - مثل الكافرين مع محمد صلى الله عليه وسلم]
ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[02 May 2005, 03:27 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مثل الكافرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الأمثال، التي ضربها الله تعالى للكافرين في كتابه الكريم، وضرب للمنافقين المثلين المذكورين في أوائل سورة البقرة، وهو دليل واضح على ما ذكرت في مثل المنافقين، مع ما ذكرت هناك من أدلة، ليست من قول فلان، ولا قول علان؛ وإنما هي أدلة من القرآن والسنة، وكلام الصحابة رضي الله تعالى عنهم .. فلينظر أبو عبد المعز وغيره: هل خالفت في هذا المثل علماء النحو والتفسير والبلاغة؟
[قال الله تعالى في حق الكافرين: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (البقرة:171)
هذا مثل ضربه الله تعالى لكل كافر مشرك بالله، ما دام على كفره وشركه، ويدخل في عمومه اليهود؛ لأن الآية نزلت فيهم .. وهو جملة استئنافية، واردة لتقرير ما قبلها؛ وهو قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة:170).
عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: أنها نزلت في طائفة من اليهود0 دعاهم رسول الله ? إلى الإسلام، فقالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا} .. فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم ضرب لهم هذا المثل، فقال جل شأنه: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}.
والجامع بين الآيتين: أن الأولى لبيان حالهم، والثانية تمثيل لتلك الحال. فهؤلاء الكافرون: مثل، والذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء مثل آخر، وبين المثلين تشابه في الأحوال، دلت عليه كاف التشبيه.
وعن مجاهد- رضي الله عنه- قال: هذا مثل ضربه الله للكافر، يسمع ما يقال له، ولا يعقل؛ كمثل البهيمة، تسمع النعيق، ولا تعقل .. وعن قتادة- رضي الله عنه- قال: مَثلُ هذا الكافر، مَثلُ هذه البهيمة، التي تسمع الصوت، ولا تدري ما يقال لها؛ فكذلك الكافر، لا ينتفع بما يقال له.
وعلى ذلك يكون المعنى: حال هؤلاء الكافرين، في دعائهم وندائهم إلى الإيمان، يشبه حال البهائم السارحة، في دعائها وندائها إلى المرعى، التي تسمع الصوت، ولا تدري ما تحته، وتسمع الدعاء، ولا تعقل ما وراءه .. كذلك حال هؤلاء الكافرين، يدعوهم رسول الله ? إلى الإسلام، ويحثهم على عبادة الله وحده، فلا يسمعون من دعائه وندائه، إلا مجرَّد الصوت.
ويفهم من تشبيه حالهم بحال البهائم، تشبيه حال داعيهم إلى الإيمان- وهو محمد ?- بحال الراعي، الذي ينعق بالبهائم، فلا تفهم من نعيقه أكثر من الصوت. وهذا ما أشار إليه القرطبي بقوله:” شبه تعالى واعظ الكفار، وداعيهم- وهو محمد?- بالراعي، الذي ينعق بالغنم، والإبل، فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه، ولا تفهم ما يقول .. هكذا فسره ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والسدي، والزجاج، والفرَّاء، وسيبويه. وهذه نهاية الإيجاز. قال سيبويه: لم يُشبَّهوا بالناعق؛ إنما شُبِّهوا بالمنعوق به. والمعنى: مثلك يا محمد، ومثل الذين كفروا، كمثل الناعق والمنعوق به من البهائم، التي لا تفهم0 فحذف لدلالة المعنى“0
وقال الزركشي:” اختلف الشارحون في فهم كلام سيبويه، فقيل: هو تفسير معنى. وقيل: هو تفسير إعراب. فيكون في الكلام حذفان: حَذفٌ من الأول: وهو حذفُ: داعيهم، وقد أثبت نظيره في الثاني، وحَذفٌ من الثاني: وهو حذفُ المنعوق، وقد أثبت نظيره في الأول“.
وقال السيوطي:” وفي (الغرائب) للكرماني: التقدير: مثل الذين كفروا، معك يا محمد، كمثل الناعق، مع الغنم؛ فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر، وله في القرآن نظائر؛ وهو أبلغ ما يكون في الكلام “.
¥