[سؤال عن الاستنباط من قصص القرآن وحدوده.]
ـ[علي جاسم]ــــــــ[21 Mar 2005, 10:32 ص]ـ
هنالك جانب في الآيات القصصية في القرآن .. كم وددت لو أجد من يتفضل علي برأي فيه .. فأنا لا أجد فيه ما يتنافى مع الشرع من جانب، ومن جانب آخر أراني أتجنب الخوض فيه لا لسبب معين .. لكن أحسبها قدسية القرآن التي جعلت من حدود المحظور محظور، ولا زال ذاك ديدني بين القبول والطعن مذبذب بين ذلك .. فأفيدونا أثابكم الله ..
لنأخذ من الآيات القصصية مثلا قوله تعالى {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فضن أن لن نقدر عليه فنادا في الضلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الضالمين فاستجبنا له فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} الأنبياء .. الخطوط العريضة لهذه الآية تشتمل على أربعة مراحل " ابتعاد عن منهج الله وهو قوله تعالى {إذ ذهب مغاضبا} ثم ابتلاع الحوت له {فالتقمه الحوت} ثم رجوع إلى الله {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} ثم النجاة لبر الأمان {فنجيناه من الغم} ماذا يمكن أن نفهم من هذه الخطوط أو هذه المراحل؟؟؟
أن يا إنسان إن ابتعدت عن منهج الله تعالى فقد يلتقمك حوت من حيتان الدنيا وانت بعد خائض في لججها!! وقد تقول وما حيتان الدنيا؟؟ قلنا الشهوة حوت، فإن انحرفت عن منهج الله تعالى ابتلعك حوتها، وما الحل حينها .. الرجوع إلى الله {لا إله إلا أنت سبحانك} لتنجو من بطن هذا الحوت لبر الأمان .. ثم هل هنالك حيتان أخر .. نعم هنالك حوت الهوى، وحوت الدنيا بزخاريها وزينتها، وحوت غرور العقل الإنساني، وهذا الأخير أدهى وأمر .. وهكذا فإن خرجت عن منهج الله فأنت لا محال صائر لبطن حوت من هذه الحيتان وليس لك بعده إلا الرجوع لله كما فعل يونس ..
ولنأخذ مثالا آخر .. وهو قصة موسى مع السحرة .. فما المانع إن اعتبرنا أن السحرة هم أصحاب البدع في المجتمعات وأن ثعابينهم هي فتنهم التي تلقي سمومها في جسم المجتمع فتخلب ألبابهم وبصائرهم كما فعلت حبال السحرة في الملأ وأن عصى موسى هي حجة الله الدامغة التي يظهرها الله على يد عبد من عباده الذي يصطفيهم لإزهاق الباطل فتنهي هذه الحجة أباطيلهم وتعيد الناس لجادة الصواب بإذن الله كما فعلت عصى موسى، وهكذا .. على أن هذا الكلام لا يعني – بطريقة أو بأخرى – أن المقصود من هذه القصص هذا الأمر أو بمعنى آخر " أن هذا الجانب الذي ذكرناه يندرج ضمن الاستنباطات المتحصلة من القصة القرآنية بالإضافة إلى جوانبها العقائدية والتربوية وجانب التخفيف على النبي {كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك}
فإن كان فيما أسلفت ما ينافي الشرع فأفيدونا أثابكم الله .. على أن الجرجاني يذكر في تعريفاته " التأويل هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب والسنة .. والحمد لله رب العالمين
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[26 Mar 2005, 01:26 ص]ـ
الأخ الكريم علي جاسم بارك الله فيه، اسمح لي بالجواب على السؤال في النقاط التالية:
1 - الاستنباط من القرآن شامل لجميع الآيات ولا يقتصر على آيات الأحكام، فيستنبط من آيات القصص والوعظ والتذكير والأمثال والصفات وغير ذلك. وأما حصر الأئمة رحمهم الله آيات الأحكام بخمسمائة آية فالمقصود ما دل بطريق مباشر أي الأحكام الظاهرة.
قال الطوفي (ت: 716): " وكأن هؤلاء الذين حصروها في خمس مئة آية إنما نظروا إلى ما قُصد منه بيان الأحكام، دون ما استفيدت منه، ولم يُقْصَدْ بيانُها" [شرح مختصر الروضة: (3/ 578)].
2 - آيات القصص على وجه الخصوص مجال واسع للاستنباط بأكثر من طريق: كالاستنباط بشرع من قبلنا، والاستنباط بإقرار الله تعالى وبفعله بهم من نعيم أو عذاب وغير ذلك.
قال القرافي (ت: 684): " وقال بعض العلماء: كُلُّ قصةٍ مذكورةٍ في كتاب الله تعالى فالمراد بذكرها: الانزجارُ عما في تلك القصة من المفاسد التي لابَسَها أولئك الرَّهْط، والأمر بتلك المصالح التي لابسها المحكي عنه ". [نفائس الأصول 9/ 3832].
قال الزركشي (ت: 794): " فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام ". [البرهان]
وقال ابن عاشور (ت: 1393): " إن في تلك القصص لعبراً جمة، وفوائد للأمة " [التحرير والتنوير: 1/ 64].
¥