[إشكال فلسفي]
ـ[علي جاسم]ــــــــ[24 Mar 2005, 09:51 ص]ـ
يذكر الإمام الجرجاني في تعريفاته ما نصه " الأبد هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل كما أن الأزل هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب الماضي مدة لا يتصور انتهائها بالفكر والتأمل البتة وهو الشيء الذي لا نهاية له " ثم يقول بعد ذلك " واعلم أن الموجود أقسام ثلاث لا رابع لها فإنه إما أزلي وأبدي وهو الله سبحانه وتعالى أو لا أزلي ولا أبدي وهي الدنيا أو أبدي غير أزلي وهي الآخرة وعكسه محال فما ثبت قدمه امتنع عدمه " ..
على أن الأزلية والأبدية كما يقول الغزالي في مقصده الأسنى مضافان من حيث اللفظ لله تعالى إذ الله لا يجري عليه زمان والأزل والأبد متعلقان بالزمن والزمن مخلوق ..
ولنرجع لشيخنا الجرجاني .. فقد اتفق فلاسفة الإسلام وسبقهم بها الفلاسفة اليونان قديما .. على أن ما ثبت قدمه استحال عدمه .. والقدم هو الأزل باعتبار الامتداد اللامتناهي في الماضي .. ومن مسلمات العقل أن إثبات الشيء إثبات لما يقابله، أي أن الأزلية كالأبدية من حيث متعلقات كل منهما وما يترتب عليهما ولو من حيث اللفظ
وهنا يظهر لنا الإشكال .. لأن الجرجاني نفى أن ينعدم القديم أي (الأزلي) من حيث أنه أشار لحدوث الأبدي (الآخرة) .. فكيف ذلك .. كيف أثبتنا نفي العدمية على ما كان أزليا لأنه قديم ولم ننفي الحدوث لما أثبتنا أبديته .. بل وأثبتنا الحدوث للأبدي .. كيف صارت الآخرة حادثة من حيث الابتداء وفي نفس الوقت أبدية لا منتهية من حيث البقاء في المستقبل اللامتناهي .. أليست الأبدية كالأزلية .. فإن قيل نعم الأبدية كالأزلية .. قلنا إذن ينطبق على الأبدية ما ينطبق على الأزلية .. فإن سلّمنا باستحالة عدم الأزلي أثبتنا – بدعوى المقابلة -نفي حدوث الأبدي .. فإن قيل الأزلية ليست كالأبدية!!!
قلنا فواحدة منهما لا يليق أن نطلقها على الله وهذا القول باطل .. فهو الأزلي الأبدي كما أسلفنا من كلام الجرجاني ..
ويبقى الإشكال قائما في هذه المسألة -بالنسبة لي على الأقل- فلربما أسأت فهمها على النحو الصحيح .. فهل عندكم من علم فتخرجوه لنا .. وجزاكم الله خيرا ..
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[24 Mar 2005, 04:45 م]ـ
لاحظ قول الجرجاني رحمه الله (أزمنة مقدرة) فهي أزمنة تقديرية أي غير حقيقية .. و معنى الكلام أنه لو قدرنا زمنًا لكان لانهائيًا في مقداره، و ليس أن الله يخضع للزمن .. و الله أعلم.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[26 Mar 2005, 06:09 م]ـ
أخي علي جاسم وفقه الله ..
حل المسألة أن المقصود من قولهم: (ما ثبت قدمه استحال عدمه): أن ما ثبت قدمه فهو غير حادث، أي: ليس بمخلوق، وهذه صفة الخالق جل وعلا، فالله ليس بمخلوق وهو الأول الذي ليس قبله شيء.
إذا عُلم ذلك فما ثبت قدمه (إن صح التعبير) فإنه أبدي وهو الله تعالى وهي الصفة المذكورة بقولنا: (الآخر الذي ليس بعده شيء).
وهذا لا إشكال فيه أن ما ثبت كونه خالقاً فإنه لا يفنى بل هو باقٍ كما قال تعالى: (كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
وأما ما ثبت حدوثه فهو مخلوق وكل مخلوق فانٍ كما قال جل وعلا: (كل من عليها فان). وعلى ذلك فما لم يثبت قدمه فإنه يستحيل أزله أي بقاءه لكونه مخلوقاً.
والأمر واضح جلي والخفاء فيه من جهة ألفاظ الفلاسفة.
ولفظ القرآن أوضح وأصدق وأدل والله كما قال: (الأول والآخر والظاهر والباطن).
ملحوظة: وصف الله بالقدم محل خلاف والصحيح ثبوت المعنى المدلول عليه بقوله تعالى: (الآخر) وعدم إطلاق اللفظ لعدم وروده والصفات توقيفية وتوسع فيه بعضهم من باب الإخبار وهو أوسع من الصفات.
والله تعالى أعلم.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[26 Mar 2005, 06:51 م]ـ
أحسب أن الإشكال في التسليم بأن ما ثبت قدمه استحال عدمه .. و استحالة العدم هنا ليس لاعتبار القدم، بل لاعتبار وجوب الوجود .. فمن كان واجب الوجود ثبتت له الأزلية و الأبدية، بخلاف غيره من الموجودات التي يجري عليها الحدوث و الفناء.
ـ[علي جاسم]ــــــــ[27 Mar 2005, 10:41 ص]ـ
الأخوة الأفاضل جزاكم الله خيرا .. ولكن .. أنا لا أتكلم عن الله أو عن طبيعة الوجود الإلهي فهذا أمر مسلّم به أن الله واجب الوجود وما دونه ممكن الوجود .. ولا أحسبني أردت بسؤالي هذا الأمر .. ويبدو أني أسأت إيضاح الإشكال الفلسفي الذي اسلفت ... على أن الجملة التي ذكرها أخي الحبيب فهد الوهبي فيها خطأ بسيط فقد قال (الآخر الذي ليس بعده شيء) والصحيح (الآخر الذي ليس قبله شيء) .. أما (ما ثبت قدمه استحال عدمه) إنما أريد بها الله فلأن العقل ما تصورموجودا غير الله ثبت قدمه فقالوا أريد بها الله ولو هداهم فكرهم وخيالهم لموجود غير (الله تعالى) ثبت قدمه لانطبقت عليه القاعدة ولسلّم العقل باستحالة عدمه وأعني استحالة حدوثه فما لايخلو من الحادث فهو حادث بل ما لا يخلو من الحدث فهو حادث .. ولنعد للإشكال .. أنا إنما أردت أن الآخرة أبدية وهذا أمر نص عليه القرآن {خالدين فيها أبدا} إذن فهو أمر مسلّم به .. فإن قيل أنها ليست كالأبدية التي تطلق على الإله قلنا إذن هي ليست أبدية اصلا لأن الأبدية كمفهوم لا يمكن أن تأخذ صورتين مختلفتين وتعطيان دلالة واحدة .. فإن قيل أبدية الأخرة كأبدية الله تعالى قلنا باستحالة حدوثها وهي كما أورد الجرجاني حادثة .. والمشكلة كما قلت لا تتعلق بالله تعالى بقدر ما تتعلق بأبدية الآخرة من حيث الانتهاء وحدوثها من حيث الابتداء ..
¥