[" وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم " .. و تأويل المتشابه!]
ـ[أبو زينب]ــــــــ[05 Feb 2005, 10:20 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أواصل نقل بعض ما اختص به الشيخ ابن عاشور في تفسيره.
و لا شك أنكم تدركون سعة اطلاع هذا " العلامة " ثم أدبه مع السلف الصالح و من خالفوه أو خالفهم هو في الرأي. فلله درُُه - و لن أعلق أكثر من ذلك.
(وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب [7])
جملة حال أي وهم لا قبل لهم بتأويله؛ إذ ليس تأويله لأمثالهم، كما قيل في المثل " ليس بعُشِِك فادرجي ".
ومن هنا أمسك السلف عن تأويل المتشابهات، غير الراجعة إلى التشريع، فقال أبو بكر رضي الله عنه " أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم " وجاء في زمن عمر رضي الله عنه رجل إلى المدينة من البصرة، يقال له صبيغ بن شريك أو ابن عسل التميمي فجعل يسأل الناس عن متشابه القرآن، وعن أشياء فأحضره عمر، وضربه ضربا موجعا، وكرر ذلك أياما، فقال حسبك يا أمير المؤمنين فقد ذهب ما كنت أجد في رأسي. ثم أرجعه إلى البصرة وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يمنع الناس من مخالطته. ومن السلف من تأول عند عروض الشبهة لبعض الناس، كما فعل ابن عباس فيما ذكرناه آنفا.
قال ابن العربي في " العواصم من القواصم " من الكائدين للإسلام الباطنية والظاهرية ". قلت: أما الباطنية فقد جعلوا معظم القرآن متشابها، وتأولوه بحسب أهوائهم، وأما الظاهريون فقد أكثروا في متشابهه، واعتقدوا سبب التشابه واقعا، فالأولون دخلوا في قوله (وابتغاء تأويله)، والأخيرون خرجوا من قوله (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) أو وما يعلم تأويله إلا الله، فخالفوا الخلف والسلف. قال ابن العربي في العواصم وأصل الظاهريين الخوارج الذين قالوا:" لا حكم إلا لله " يعني أنهم اخذوا بظاهر قوله تعالى (إن الحكم إلا لله) ولم يتأولوه بما هو المراد من الحكم.
والمراد بالراسخين في العلم: الذين تمكنوا في علم الكتاب، ومعرفة محامله، وقام عندهم من الأدلة ما أرشدهم إلى مراد الله تعالى، بحيث لا تروج عليهم الشبه. والرسوخ في كلام العرب: الثبات والتمكن في المكان، يقال: رسخت القدم ترسخ رسوخا إذا ثبتت عند المشي ولم تتزلزل، واستعير الرسوخ لكمال العقل والعلم بحيث لا تضلله الشبه، ولا تتطرقه الأخطاء غالبا، وشاعت هذه الاستعارة حتى صارت كالحقيقة. فالراسخون في العلم: الثابتون فيه العارفون بدقائقه، فهم يحسنون مواقع التأويل، ويعلَمونه.
ولذا فقوله (والراسخون) معطوف على اسم الجلالة، وفي هذا العطف تشريف عظيم: كقوله (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم) وإلى هذا التفسير مال ابن عباس، ومجاهد، والربيع بن سليمان، والقاسم بن محمد، والشافعية، وابن فورك، والشيخ أحمد القرطبي، وابن عطية، وعلى هذا فليس في القرآن آية استأثر الله بعلمها، ويؤيد هذا أن الله أثبت للراسخين في العلم فضيلة، ووصفهم بالرسوخ، فآذن بأن لهم مزية في فهم المتشابه؛ لأن المحكم يستوي في علمه جميع من يفهم الكلام، ففي أي شيء رسوخهم. وحكى إمام الحرمين، عن ابن عباس: أنه قال في هاته الآية أنا ممن يعلم تأويله.
وقيل: الوقف على قوله (إلا الله) وإن جملة (والراسخون في العلم) مستأنفة، وهذا مروي عن جمهور السلف، وهو قول ابن عمر، وعائشة، وابن مسعود، وأبي، ورواه أشهب عن مالك في جامع العتبية، وقاله عروة بن الزبير، والكسائي، والأخفش والفراء، والحنفية، وإليه مال فخر الدين.
ويؤيد الأول وصفهم بالرسوخ في العلم؛ فإنه دليل بين على أن الحكم الذي أثبت لهذا الفريق، هو حكم من معنى العلم والفهم في المعضلات، وهو تأويل المتشابه، على أن أصل العطف هو عطف المفردات دون عطف الجمل، فيكون الراسخون معطوفا على اسم الجلالة فيدخلون في أنهم يعلمون تأويله. ولو كان الراسخون مبتدأ وجملة (يقولون آمنا به) خبرا، لكان حاصل هذا الخبر مما يستوي فيه سائر المسلمين الذين لا زيغ في قلوبهم، فلا يكون لتخصيص الراسخين فائدة. قال ابن عطية تسميتهم راسخين تقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه الجميع وما الرسوخ إلا المعرفة بتصاريف الكلام بقريحة معدة وما
¥