[معنى قوله جل في علاه: {نحن نقص عليك أحسن القصص}]
ـ[أبو تيمية]ــــــــ[02 Mar 2005, 02:23 م]ـ
102 - بيان معنى (أحسن القصص)، و تخطئة من ظنَّ أنَّ المرادَ بها (قصةُ يوسف).
مع فوائد أخرى كثيرة منثورة في تضاعيف كلام ابن تيمية رحمه الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله و رضي عنه – و هو يبين أن كلام الله بعضه يفضل بعضا – في كتابه العظيم (جواب أهل العلم و الإيمان ... ) -: (و من هذا الباب ما في الكتاب والسنة من تفضيل القرآن على غيره من كلام الله: التوراة و الإنجيل وسائر الكتب، و أن السلف كلَّهم كانوا مقِرِّين بذلك، ليس فيهم من يقول: "الجميع كلام الله، فلا يفضل القرآن على غيره ".
قال الله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتاب متشابها مثاني} فأخبر أنه أحسن الحديث وقال تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن و إن كنت من قبله لمن الغافلين}.
و أحسن القصص، قيل: إنه مصدر، وقيل: إنه مفعول به، قيل: المعنى: نحن نقص عليك أحسنَ الاقتصاص، كما يقال: نكلمك أحسن التكليم، و نبين لك أحسن البيان.
قال الزجاج: نحن نبين لك أحسن البيان، و القاصُّ الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
قال: "وقوله {بما أوحينا إليك هذا القرآن} أي بوحينا إليك هذا القرآن.
وعلى هذا القول فهو كقوله: نقرأ عليك أحسن القراءة، و نتلو عليك أحسن التلاوة.
والثاني: أن المعنى: نقص عليك أحسن ما يُقصُّ أي: أحسن الأخبار المقصوصات، كما قال في السورة الأخرى: {الله نزل أحسن الحديث} وقال {ومن أصدق من الله قيلا}، و يدل على ذلك قوله في قصة موسى {فلما جاءه و قص عليه القَصص} وقوله {لقد كان في قَصصهم عبرة لأولي الألباب} المراد: خبرهم ونبأهم وحديثهم؛ ليس المراد مجرد المصدر، و القولان متلازمان في المعنى - كما سنبينه -.
و لهذا يجوز أن يكون هذا المنصوب قد جمع معنى المصدر ومعنى المفعول به؛ لأن فيه كلا المعنيين، بخلاف المواضع التي يباين فيها الفعل المفعول به؛ فإنه إذا انتصب بهذا المعنى، امتنع المعنى الآخر.
و من رجح الأول من النحاة - كالزجاج و غيره - قالوا: القصص مصدر، يقال: قص أثره يقصه قَصصا، ومنه قوله تعالى {فارتدا على آثارهما قصصا} وكذلك: اقتص أثره وتقصص، و قد اقتصصت الحديث: رويته على وجهه، وقد اقتص عليه الخبر قَصصا.
و ليس القَصص - بالفتح - جمعَ قِصَّة - كما يظنه بعض العامة -؛ فإن ذلك يقال في قِصص - بالكسر - واحده:قِصة، والقِصة: هي الأمر والحديث الذي يقص، فِعلة بمعنى مفعول، وجمعه قِصص بالكسر.
وقوله {نحن نقص عليك أحسن القصص} بالفتح، لم يقل أحسن القِصص - بالكسر - و لكن بعض الناس ظنوا أن المراد أحسن القِصص بالكسر، وأن تلك القصة قصة يوسف، وذكر هذا طائفة من المفسرين.
ثم ذكروا: لمَ سمِّيت أحسن القصص؟ فقيل: لأنه ليس في القرآن قصة تتضمن من العبر والحكم والنكت ما تتضمن هذه القصة، وقيل: لامتداد الأوقات بين مبتداها ومنتهاها، وقيل: لحسن محاورة يوسف وإخوته وصبره على أذاهم وإغضائه عن ذكر ما تعاطوه عند اللقاء وكرمه في العفو، و قيل:لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين و الإنس والجن والأنعام والطير وسير الملوك والمماليك والتجار والعلماء والجهال والرجال والنساء ومكرهن وحيلهن، وفيها أيضا ذكر التوحيد والفقه والسير وتعبير الرؤيا والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش، فصارت أحسن القصص لما فيها من المعاني والفوائد التي تصلح للدين والدنيا، وقيل: فيه ذكر الحبيب والمحبوب، وقيل: أحسن بمعنى أعجب.
و الذين يجعلون قصة يوسف أحسن القصص، منهم مَن يعلم أنَّ القَصص بالفتح: هو النبأ و الخبر، ويقولون هي أحسن الأخبار والأنباء، و كثير منهم يظن أن المراد أحسن القِصص بالكسر، وهؤلاء جهَّال بالعربية، وكلا القولين خطأ، وليس المراد بقوله {أحسن القصص} قصة يوسف وحدها؛ بل هي مما قصه الله، و مما يدخل في أحسن القصص، ولهذا قال تعالى في آخر السورة {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون، حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم
¥