تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أسرار البيان في أمثال القرآن]

ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[03 Apr 2005, 04:02 م]ـ

? مثل عيسى عند الله في الخلق ?

قال الله تبارك وتعالى: ? إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ? (آل عمران:59)

ذكر الله تبارك وتعالى هذه الآية الكريمة في ضمن الآيات، التي أنزلها في شأن النصارى، لمَّا قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم وفدٌ من نصارى نجران، وناظروه، في المسيح- عليه السلام- وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل، فبين فيه قول الحق، الذي اختلفت فيه اليهود، والنصارى؛ وذلك قوله تعالى:

{ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} (مريم:34).

أما اليهود فقد ارتضوا الجريمة مركبًا، فقتلوا أنفسهم، وقتلوا الحق معهم، وقالوا في المسيح: إنه ولِدَ- كما يولَد الناس- من ذكر وأنثى، وإن ميلاده كان على فراش الإثم والفاحشة، مع قولهم: إنه ساحرٌ وكذاب.

وأما النصارى فقد قصُرَت مداركهم عن إدراك قدرة الله تعالى، فلم تحتمل عقولهم تلك الحقيقة؛ وهي أن الله قدير على كل شيء، يخلق ممَّا يشاء، وكيف يشاء ما يشاء، ومن يشاء! فقالوا في المسيح: إنه ابن الله؛ كما قالت اليهود: عزيْر بن الله، فردَّ الله تعالى عليهم قولهم، ووبخهم على افترائهم وكذبهم، فقال سبحانه: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة:30).

وقالوا أيضًا: إن الله هو المسيح، تجسَّد بشرًا، في جسد عذراء، وإنه ثالث ثلاثة، وإلى ذلك الإشارة بقوله سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة:72 - 73).

وقد نهى الله سبحانه النصارى عن الغلوِّ في دينهم، وأن يقولوا على الله تعالى غير الحق، وبين في أكثر من آية أن المسيح بن مريم رسول؛ كغيره من الرسل، خلقه بكلمة منه، وبنفحة من روحه؛ كما خلق هذا الوجود كله بنور من نوره، وفيض من فيضه.

وأقرب مثل لذلك، عند الله تعالى، خلق آدم- عليه السلام- فمثله في خلقه، كمثل آدم، في خلقه .. فخلق عيسى مثلٌ، وخلق آدم مثلٌ آخر، وبين المثلين تشابه، في هذا الخلق، لا تماثل. ولو كان ما بينهما تماثلاً، لوجب أن يقال: إن مثل عيسى عند الله مثلُ آدم .. ولكن دخول الكاف على لفظ المثل أفاد أن ما بين الخَلقين تشابه، وهو ما يسمَّى بوجه الشَّبَه.

أما آدم- عليه السلام- فقد خلقه الله تعالى من طين. أي: من تراب وماء، ثم جعل الطين صلصالا، ثم {قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}؛ وهو حين نفخ الروح فيه، صار بشرًا تامًّا، لم يحتج بعد ذلك إلى ما احتاج إليه أولاده بعد نفخ الروح. فإن الجنين، بعد نفخ الروح، يكمل خلق جسده في بطن أمه، فيبقى في بطنها نحو خمسة أشهر، ثم يخرج طفلاً يرتضع، ثم يكبر شيئًا بعد شيء. وآدم- عليه السلام- حين خلق الله تعالى جسده، قال له: {كُنْ}، فكان بشرًا تامًّا، بنفخ الروح فيه.

وقد بين الله تعالى ذلك بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} (المؤمنون:12 - 13). فالمخلوق من سلالة من طين آدم- عليه السلام- والمجعول نطفة في قرار مكين ذريته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير