تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[آية النهي عن الاستغفار للمشركين الأصح تأخر نزولها بعد الهجرة]

ـ[أحمد القصير]ــــــــ[07 Dec 2004, 08:47 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

المشهور عند كثير من المفسرين أن آية النهي عن الاستغفار للمشركين نزلت في أبي طالب بمكة قبل الهجرة، والذي يظهر صوابه أن نزول الآية متأخر جداً عن وفاة أبي طالب، والأظهر نزولها بعد وفاة عبد الله بن أبي بن سلول، في السنة التاسعة بعد الهجرة، وأما الآية التي نزلت في أبي طالب مباشرة فهي قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]

قال الحافظ ابن حجر: «الذي يظهر أن الآية المتعلقة بالاستغفار (1) نزلت بعد أبي طالب بمدة، وهي عامة في حقه وفي حق غيره، ويوضح ذلك لفظ: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعدَ ذَلِكَ (2) {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}، وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}». (3)، ولأحمد (4)، من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة في قصة أبي طالب - قال: «فأنزل الله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. (5)».

وقال: «وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمِّهِ لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها، فنزلت هذه الآية (6)، والأصل عدم تكرر النزول، وقد أخرج الحاكم، وابن أبي حاتم (7)، من طريق أيوب بن هانئ، عن مسروق، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً، ثم بكى فبكينا لبكائه، فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي؛ فأنزل علي: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}».وأخرج أحمد (8) من حديث ابن بريدة، عن أبيه نحوه، وفيه: «نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب». ولم يذكر نزول الآية، وفي رواية الطبري (9) من هذا الوجه: «لما قدم مكة أتى رسم قبر». ومن طريق فضيل بن مرزوق، عن عطية: «لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس، رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها؛ فنزلت» (10). وللطبراني (11) من طريق عبد الله بن كيسان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما نحو حديث ابن مسعود، وفيه: «لما هبط من ثنية عسفان (12)». وفيه نزول الآية في ذلك. فهذه طرق يعضد بعضها بعضاً، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضاً أنه قال يوم أحد بعد أن شج وجهه: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون (13)».

قال: «ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر، وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان: متقدم وهو أمر أبي طالب، ومتأخر وهو أمر آمنة، ويؤيد تأخير النزول استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك؛ فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب، ويشير إلى ذلك أيضاً قوله في الحديث: «وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}». (14)؛ لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلت فيه وحده، ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد، عن علي رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ: أَيَسْتَغْفِرُ الرَّجُلُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَال: َ أَوَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ؟ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}». (15)».اهـ (16)

قلت: ومما يؤكد تأخر نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} عن قصة أبي طالب:

1 - قوله في الآية: (والذين آمنوا) وهذا يدل على أن الاستغفار وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعض المؤمنين، وقصة أبي طالب لم يكن الاستغفار فيها إلا من قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير