تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الطبري: والشيطان، في كلام العرب: كل متمرِّد من الجن والإنس والدوابِّ وكل شيء، وإنما سُمي المتمرِّد من كل شيء شيطانًا، لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاقَ سائر جنسه وأفعاله، وبُعدِه من الخير.

ومما يستدل به على هذا المعنى:

1 - قول الله تَعَالَى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (الأنعام: من الآية112)، فجعل من الإنس شياطينَ، مثلُ الذي جعل من الجنّ.

2 - وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَا أَبَا ذَرّ تَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ " فَقُلْت أَوَلِلْإِنْسِ شَيَاطِين؟ قَالَ " نَعَمْ].

3 - وعن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ [أنه رَكِبَ بِرْذَوْنًا فَجَعَلَ يَتَبَخْتَر بِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبهُ فَلَا يَزْدَاد إِلَّا تَبَخْتُرًا فَنَزَلَ عَنْهُ وَقَالَ مَا حَمَلْتُمُونِي إِلَّا عَلَى شَيْطَان مَا نَزَلْت عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْت نَفْسِي] إِسْنَاده صَحِيح.

[فقولك "من الشيطان" أي: من كل عات متمرد من الجن والإنس، يصرفني عن طاعة ربي، وتلاوة كتابه].

• الثالث: من الاحتراق

مُشْتَقّ مِنْ شَاطَ لِأَنَّهُ مَخْلُوق مِنْ نَار.

أو مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك، وشاط إذا احترق، وشيطت اللحم إذا دخنت ولم تنضج، واشتاط الرجل إذا احتد غضبا، واشتاط إذا هلك؛ قال الأعشى:

قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطل.

الرد على من قال أنه من الاحتراق:

1 - قولُ أميّة ابن أبي الصّلت:

أَيُّما شاطِن عَصَاه عَكاهُ ثُم يُلْقَى في السِّجْن والأكْبَالِ

ولو كان فَعلان، من شاطَ يشيط، لقال أيُّما شائط، ولكنه قال: أيما شاطنٍ، لأنه من "شَطَن يَشْطُنُ، فهو شاطن".

2 - وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الْعَرَب: تَقُول تَشَيْطَنَ فُلَان إِذَا فَعَلَ فِعْل الشَّيَاطِين وَلَوْ كَانَ مِنْ شَاطَ لَقَالُوا تَشَيَّطَ.

فَالشَّيْطَان مُشْتَقّ مِنْ الْبُعْد عَلَى الصَّحِيح وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كُلّ مَنْ تَمَرَّدَ مِنْ جِنِّيّ وَإِنْسِيّ وَحَيَوَان شَيْطَانًا.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول أن الكل صَحِيح فِي الْمَعْنَى.

? تأويل قوله: (الرَّجِيمِ).

الرجيم: فَعيل بمعنى مفعول، كقول القائل: كَفٌّ خضيبٌ، ولحيةٌ دهين، ورجل لَعينٌ، يريد بذلك: مخضوبة ومدهونة وملعون.

وله ثلاثة معان

• الأول: الرمي، وهو أصحها، فـ[أصل الرجم الرَّميُ، بقول كان أو بفعل. ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم صلوات الله عليه وسلامه: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ) (مريم: 46) ومن الرجم بالفعل قول قوم نوح قوله تعالى: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء: من الآية116)

• الثاني: الملعون والمشتوم: [وكل مشتوم بقولٍ رديء أو سبٍّ فهو مَرْجُوم].

• الثالث: الطرد: فـ[الرجيم: أي: المطرود من رحمة الله]، و [عَنْ الْخَيْر كُلّه]، [لأن الله جل ثناؤه طرَده من سَمواته، ورجمه بالشُّهب الثَّواقِب] .. [كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ) (الملك: من الآية5) وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) (الصافات:6 - 9) وَقَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (الحجر:16 - 17)، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات]. وقريب منه ما ذكره القرطبي في المعنى الرابع [وَالْأَوَّل أَشْهَر وَأَصَحّ].

ثانيا:معنى قول القائل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير