لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِف ... ).
وفي الصحيحين البخاري (2831)، ومسلم (1898) عن البراء بن عازب – رضي الله عنه- قال: " لما نزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - زيدا – رضي الله عنه- فجاء بكتف فكتبها وشكا ابن أم مكتوم – رضي الله عنه- ضرارته فنزلت: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ... " الآية [النساء:95].
وهذا دليل صريح على أن القرآن كان يكتب مباشرة بعد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم.
5 - آيات كثيرة تدل على معرفة العرب للكتابة وشيوعها بينهم، فقد وردت مادة كتب وما اشتق منها في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة (300)، ووردت مادة قرأ وما اشتق منها نحواً من ثمانين مرة (80)، ووردت مادة خط وأسماء أدوات الكتابة: القلم، والصحف، والقرطاس، والرق. مما يعني أن كل هذه الأمور مما يعرفه العرب المخاطبون بالقرآن الكريم، وليست مجرد معرفة ساذجة كما يزعم بعض الباحثين، بل معرفة شائعة بينهم.
6 - بلغ عدد الذين يكتبون للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة وأربعين كاتباً، وكان بعضهم منقطعاً لكتابة القرآن خاصة، ومن أشهرهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وحنظلة بن الربيع -رضي الله عنهم جميعاً -. وكان أول من كتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- من قريش هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح –رضي الله عنه- وأول من كتب له من الأنصار أبي بن كعب -رضي الله عنه -.
ويجب التفريق بين كتابة القرآن وتدوينه كله في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبين جمعه في مصحف واحد بعد وفاته، أما عن التدوين فالقرآن كله كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وأما عدم تدوين القرآن الكريم في مصحف جامع فهذا يرجعه العلماء إلى عدم الحاجة إليه في هذا العصر لوجود النبي -صلى الله عليه وسلم- مرجعا للناس، إضافة إلى نزول القرآن مفرقاً منجماً بحسب الوقائع والأحداث، وما قد يعتريه من النسخ. وفي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن للصحابة – رضي الله عنهم- القراء مرجع سوى المحفوظ في صدر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الأصل الذي يُرجع إليه عند التنازع، أما ما كان مكتوبًا في الرقاع وغيرها فلم يكن مما يرجع إليه الناس، مع وفرته وصحته وصوابه، وكذلك في عهدي أبى بكر وعمر -رضى الله عنهما- كان الاعتماد على الحفظ في الصدور هو المعول عليه دون الكتابة؛ لأنها كانت مفرقة، ولم تكن مجموعة، ولذلك استنكر أبو بكر على عمر – رضي الله عنهما- عندما أشار عليه بجمع القرآن. وكانت حظوظ الصحابة- رضي الله عنهم-، من حفظ القرآن متفاوتة، فكان منهم من يحفظ القدر اليسير، ومنهم من يحفظ القدر الكثير، ومنهم من يحفظ القرآن كله. وهم جمع كثيرون مات منهم في موقعة اليمامة في خلافة أبي بكر – رضي الله عنه - سبعون حافظًا للقرآن- رضي الله عنهم-، وكانوا يسمون حفظة القرآن بـ (القُرَّاء).
ولما قتل سبعون رجلاً من حُفَّاظِه دعت الحاجة إلى جمع ما كتب مفرقًا في مصحف واحد في منتصف خلافة أبي بكر – رضي الله عنه - باقتراح من عمر -رضي الله عنه-.وبعد وفاة أبي بكر – رضي الله عنه - تسلم المصحف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-، وبعد وفاته ظل المصحف في حوزة ابنته أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها-، وفي هذه الفترة كان حفظ القرآن في الصدور هو المتبع كذلك.وانضم إلى حُفَّاظه من الصحابة – رضي الله عنهم - بعد انتقال النبي -عليه الصلاة والسلام - إلى الرفيق الأعلى، التابعون من الطبقة الأولى، وكانت علاقتهم بكتاب الله هي الحفظ بتفاوت حظوظهم فيه قلة وكثرة، وحفظًا للقرآن كله، وممن اشتهر منهم بحفظ القرآن كله التابعي الكبير الحسن البصري -رضي الله عنه- وآخرون.كان هذا أول جمع للقرآن، والذي تم فيه هو جمع الوثائق التي كتبها كتبة الوحي في حضرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-،بمعنى تنسيق وثائق كل سورة مرتبة آياتها على نسق نزولها، ولا معنى لهذا الجمع إلا هذا، وإطلاق وصف المصحف عليه إطلاق مجازي. والغاية منه أن يكون مرجعًا موثوقًا به عند اختلاف الحفاظ.
ومما يجب التنبيه إليه مرات أن الجمع في عهد أبي بكر وعثمان –رضي الله عنهما - لم يضف شيئًا أو يحذفه من تلك الوثائق الخطية، التي تم تدوينها في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إملاءً منه على كتبة وحيه الأمناء الصادقين.فالجمع في عهد أبي بكر وعثمان – رضي الله عنهما- لم يُدْخِِِِِلا على رسم الآيات ولا نطقها أي تعديل أو تغيير أو تبديل، وفي كل الأماكن والعصور واكب حفظ القرآن تدوينه في المصاحف، وبقي السماع هو الوسيلة الوحيدة لحفظ القرآن على مدى العصور حتى الآن وإلى يوم الدين ومع كثرة انتشار الطباعة اليوم، وكثرة المصاحف، إلا أن هذا لا يغني عن الأخذ عن القراء المتقنين، وهذا من خصائص القرآن الكريم.
وينبغي أن ينبه إلى أن هذا التدوين أو الجمع المبكر للقرآن كان وما يزال هو الأصل الثابت الذي قامت على أساسه كل المصاحف فيما بعد، حتى عصرنا الحالي. وهذه الفترة الراشدة التي سبقت جمع القرآن في خلافة أبي بكر -رضى الله عنه-، لم تكن فترة إهمال للقرآن، كما يزعم بعض خصوم القرآن من المبشرين والمستشرقين والملحدين بل العكس هو الصحيح، كانت فترة عناية شديدة بالقرآن اعتمدوا فيها على السماع من الحفظة المتقنين لحفظ القرآن وتلاوته، و الحفظ المتقن في الصدور والسماع هما أقدم الوسائل لحفظ وتلاوة كتاب الله العزيز. وسيظلان هكذا إلى يوم الدين.والله أعلم.
من المصادر المهمة:
- (رسم المصحف) لغانم الحمد.
- العدد الرابع 1407هـ من مجلة المورد العراقية فقد خصص للخط العربي وتطوره وفيه مباحث عن كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأدواته.
- الخط العربي للخطاط محمد الكردي رحمه الله فيه حديث عن هذا.
- كتاب هلال ناجي عن الخط العربي في مجلد كبير تعرض لهذا الموضوع.
¥