(على اصح القولين) وهو القول بأن الاستعارة مجاز لغوي كما ذكرنا لأنها- ولو بولغ فى التشبيه فيها حتى ادعي دخول المشبه فى جنس المشبه به على ما تقدم-لا يقتضي ذلك كونها مستعملة فيما وضعت له حقيقة وانما استعملت فى غير ما وضعت له بالاصالة فاحتيج الى الاحتراز عنها كما بيننا لتخرج إذ هي مجاز لغوي فلو دخلت فى الحقيقة فسد حدها وأما ان بنينا على القول بأنها حقيقة لغوية بناء على انها استعملت فيما وضعت له حقيقة لأن التصرف وقع اولا في أمر عقلي بأن جعل المشبه نفس المشبه به فلما جعل نفسه أطلق اللفظ على ذلك المشبه لا على انه مشبه بل على انه نفس المشبه به فقد استعملت فى معناها الاصلي فكانت حقيقة لغوية .. "
القاريء غير المختص سيشعر عند فراغه من نص ابن يعقوب ... ان هناك "أزمة" ما ... تتعلق بتصور الاستعارة ... لكنه قد لا يعي جذور الازمة .... فلا بد من توضيح .... (يستغني عنه المهتمون بالبلاغة):
القول الاول ... الذي ينص على ان الاستعارة مجاز عقلي ... يصر على اننا لم نطلق اسم اسد على الفرد ... الا بعد ان جعلناه بأذهاننا اسدا .... لأن نقل الاسم بدون صورة الاسد ليس بليغا ... كما لو سميت ابنك "اسد" ... فيكون الاسم علما محضا لا استعارة باتفاق ...
إذن جاءت التسمية بعد ان اعتبر العقل الشخص اسدا .... وهنا تأتي المفاجأة: لا مجاز هنا ... لاننا استعملنا الكلمة فيما وضعت له ... فهي حقيقة .....
وهذا مثال يوضح ذلك ... :الطفلة الصغيرة عندما تسمي دميتها عروس ... لا تستعمل المجاز .. كلا .. فالدمية فى نظرها عروس حقيقية ... وليس مجرد شيء مشبه بالعروس ... فقد تخيلت الدمية عروسا .. وسمتها كذلك ... فالدمية فى تصورها ليست خشبا او بلاستيك تمثل العروس .. بل هي عروس .. لا اقل ولا اكثر ...
وجاء القول الثاني للبيانيين ... لإنقاذ الاستعارة ... فرأوا ان ذلك الادعاء لتوحد المشبه والمشبه به ... لا يقتضي الحقيقة ... لإن "اسد" وضع للاسد الحقيقي لا للاسد الادعائي ..... ونقله من الاول الى الثاني استعارة لغوية ..
وقد حاول بعض البلاغيين التوفيق بين التصورين .. فقال مثلا محقق كتاب "كتاب جامع العبارات فى تحقيق الاستعارات"د. محمد رمضان الجربي:
"والظاهر فى نظري ان الخلاف لفظي .. فمن نظر الى الاصل ونفس الامر .... جعلها مجازا لغويا .. ومن نظر الى الادعاء جعلها مجازا عقليا .. وفى عروس الافراح مع شروح التلخيص:"وهذا الادعاء لا ينكره من جعله لغويا ... وكون اللفظ اطلق على غير معناه الحقيقي لا ينكره من جعله عقليا .. وانما النزاع فى انه هل يسمى بالاول نظرا للاطلاق على غير المعنى الاصلي .. او بالثاني .. نظرا لذلك الادعاء ... فصار الخلاف لفظيا اصطلاحيا ... [انتهى كلام صاحب العروس وكلام حاشية المحقق .. ]
تلخيص الشارح جيد .. وفق فيه بين المتنازعين ... واستفدنا منه نحن ان الادعاء ... مجمع عليه فى تصور الاستعارة .....
وبقيت مسألة الادعاء هل هي كذب ام لا ....
وهو بحثنا القادم ان شاء الله تعالى ....
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[23 Apr 2005, 06:17 م]ـ
تقوم الاستعارة على مقومين اساسين لا تتصور الاستعارة بدونهما:
الادعاء.
المبالغة.
وقد تكلمنا من قبل عن مفهوم الادعاء .. وانه يقول به كل البيانيين على المذهبين معا: مذهب من يرى الاستعارة مجازا لغويا .. ومذهب من يراها مجازا عقليا .. وقد لخص الامام يحيى العلوي فى كتابه "الطراز"
تلخيصا جامعا وجهة نظر الفريقين فقال:"قولكم فى حد المجاز انه "ما افاد معنى غير مصطلح عليه فى اصل تلك المواضعة "يؤدى الى خروج الاستعارة عن حد المجاز وبيانه انا اذا قلنا على جهة الاستعارة رأيت اسدا فالتعظيم والمبالغة الحاصلان من هذه اللفظة المستعارة ليس لانا سميناه باسم الاسد ولهذا فإنه لو جعلناه علما لم يحصل التعظيم والمبالغة بذلك بل انما حصلا لأنا قدرنا فى ذلك الشخص صيرورته فى نفسه على حقيقة الاسد لبلوغه فى الشجاعة التي هي خاصة الاسد الغاية القصوى ومتى قدرنا حصوله على صفة الاسدية وحقيقتها اطلقنا عليه الاسم وبهذا التقدير يكون اسم الاسد مستعملا فى نفس موضوعه الاصلي ويبطل المجاز ...
والجواب .... انه يكفي فى حصول المبالغة والتعظيم ان يُقدر انه حصل له من القوة ما كان للاسد وعلى هذا يكون استعمال لفظ الاسد فى معنى يخالف موضوعه الاصلي وبهذا التقرير يحسن وجه الاستعارة وتتضح حثيقة المجاز ..... "
¥