أنَّ القرآن تَحَدَّى الله - عز وجل - العرب بأن يأتوا بمثله، أو أن يأتوا بعشر سور مثله أو أن يأتوا بسورة من مثله، فلما تَحَدَّاهُمْ فلم يَغْلِبُوا، ولم يأتوا بما تَحَدَّاهُمْ به، فدل ذلك على عجزهم، وذلك بسبب أنَّ القرآن مُعْجِزٌ لهم فلم يأتوا بمثله، قال - عز وجل - {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]، وقال - عز وجل - {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود:13 - 14].
إذا تبين ذلك فالتحدي لمَّا وَقَعَ وعَجِزُوا، وهم يريدون أي وسيلة لمعارضة القرآن وإثبات أنه قول البشر، {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ}، ائتوا بمثله، {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}، لما عَجِزُوا سَمَّى العلماء فِعْلَهُمْ ذلك أو عجزهم سموه: مسألة إعجاز القرآن؛ لأجل التحدي وعجز الكفار أن يأتوا بمثله.
[المسألة الثانية]:
أنَّ كلام الله - عز وجل - هو المُعْجِزْ، وليس أنَّ الله - عز وجل - أعْجَزَ لأجل السماع، أعْجَزَ لما أنزل القرآن.
والفرق بين المسألتين أنَّ الإعجاز صفة القرآن، ولكن لا يقال أنَّ الله - عز وجل - أعْجَزَ البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن؛ لأنَّ هذا القول يتضمن، بل يدل على أنهم قادرون لكنَّ الله - عز وجل - سلبهم القدرة على هذه المعارضة.
فإذاً الإعجاز والبرهان والآية والدليل في القرآن نفسه لم؟
لأنه كلام الله - عز وجل -، ولا يقال إنَّ الله - عز وجل - أعْجَزَ الناس، أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو صرفهم عن ذلك، كما هي أقوال يأتي بيانها.
فإذاً تنتبه على أنَّ تعبير أهل العلم في هذه المسألة أنَّ القرآن آية، فآية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وآية رسالته القرآن.
بل محمد صلى الله عليه وسلم لمَّا سَمِعَ كلام الله - عز وجل - خاف صلى الله عليه وسلم، فلما فَجَأَه الوحي وهو بغار حراء فأتاه جبريل فَقَالَ له: اقْرَأْ، قَالَ (مَا أَنَا بِقَارِئٍ) فَقَالَ اقْرَأْ، قَالَ: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ)، قَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:1 - 2] إلى آخر ما أُنْزِلْ في أول ما نبئ النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع بها صلى الله عليه وسلم يرجُف بها فؤاده؛ لأنَّ هذا الكلام لا يشبه كلام أحد، ولم يتحمله صلى الله عليه وسلم لا في ألفاظه ومعانيه ولفظه، ولا في أيضا صفة الوحي والتنزيل، فما استطاع صلى الله عليه وسلم أن يتحمل ذلك فرجع بهن -يعني بالآيات- يرجف بها فؤاده صلى الله عليه وسلم إلى آخر القصة.
إذاً فالنبي صلى الله عليه وسلم أول ما جاء الوحي لم يتحمل هذا الذي جاءه، لم؟
لأنه كلام الله - عز وجل -، وأما كلام البشر فإنه يتحمله لما سمع منه.
[المسألة الثالثة]:
أقوال الناس في إعجاز القرآن.
مسألة إعجاز القرآن -كما ذكرنا- لها صلة بدلائل النبوة.
والقرآن مُعْجِزْ لمن؟
للجن والإنس جميعاً؛ بل معجز لكل المخلوقات، لم؟
لأنه كلام الله - عز وجل -، وكلام الله - عز وجل - لا يشبه كلام الخلق، وكون القرآن معْجِزَاً، راجع إلى أشياء كثيرة يأتي فيها البيان.
فاختلف الناس في وجه الإعجاز لأجل أَنَّ إعجاز القرآن دليل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم في أقوال:
1 - القول الأول:
ذهب إليه طائفة من المعتزلة ومن غيرهم حتى من المعاصرين الذين تأثروا بالمدرسة العقلية في الصفات والكلام، قالوا:
إنَّ الإعجاز في القرآن إنما هو بصرف البشر عن معارضته، وإلا فالعرب قادرة على معارضته في الأصل؛ لكنهم صُرِفُوا عن معارضته، فهذا الصرف هو قدرة الله - عز وجل -، لا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفهم جميعاً عن معارضته.
وهذا الصرف لابد أن يكون من قوة تَمْلِكُ هؤلاء جميعا وهي قوة الله - عز وجل -.
فإذاً الصَّرْفَةْ التي تسمع عنها، القول بالصَّرْفَةْ؛ يعني أنَّ الله صَرَفَ البشر عن معارضة هذا القرآن، وإلا فإنَّ العرب قادرون على المعارضة.
¥