قال ابن بطال: قول الخضر: وأما الغلام فكان كافراً هو باعتبار ما يؤول إليه أمره: أن لو عاش حتى يبلغ؛ لأن الغلام صبي صغير لم يبلغ الحلم بعد، إذًا هو على إسلامه إسلام الفطره، ولكن كان كافراً هذا باعتبار ما سيؤول إليه أمره لو طالت حياته، واستحباب مثل هذا القتل أن يقتل غلام مخافة أن يكبر فيكفر، لا يعلم ذلك إلا الله - سبحانه وتعالى - ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده.
ويحتمل أن يكون جواز تكليف الصبي المميز كان مشروعاً في شريعة من قبلنا، أي كان في شريعة من قبلنا يكلف الغلام ويجري عليه القلم، ويؤاخذ بأفعاله بالتمييز، يكون في سن سبع سنين أو ثمان سنين، أما في شريعتنا فقد رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم.
-قال: وفيه جواز الإخبار بالتعب، ويلحق به الألم من مرض ونحوه، موسى قال: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، نحن تعبنا جداً من هذا السفر، ففي هذا جواز الإخبار بالتعب, ويلحق به الألم من مرض ونحوه، شريطة إذا كان هذا الإخبار على غير سخط القدر.
-وفيه أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب والجوع، بخلاف المتوجه إلى غيره، كما في قصة موسى في توجهه لميقات ربه، وذلك في طاعة ربه، فلم ينقل عنه أنه تعب، ولا طلب غداءً، ولا رافق أحدا، وأما في توجهه إلى مدين فكان في حاجة نفسه فأصابه الجوع، وفى توجهه إلى الخضر، كان لحالة نفسه أيضاً فتعب وجاع، فكلما كان خروج الإنسان في سبيل الله، وابتغاء مرضات الله؛ يسر الله عليه الطريق، وهون عليه السفر، ولم يجد منه النصب، قال بعض العلماء: ولعل هذا التيسير لطالب العلم إنما هو بسبب وضع الملائكة أجنحتها كما في الحديث (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع) فهذا مما يستفاد من قول موسى لفتاه ? لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا ? فاسم الإشارة يعود على السفر القريب بعدما نام عند الصخرة بمجمع البحرين، وجاوزها وجد التعب والنصب بعد تجاوزه.
- وفيه جواز طلب القوت، وطلب الضيافة؛ لأن موسى والخضرعرضا على أهل القرية أن يطعماهم، -وفيه قيام العذر بالمرة الواحدة، وقيام الحجة بالثانية؛ لأن موسى لما اعتذر عن أول مرة قبل الخضر عذره، وفى المرة الثانية قامت عليه الحجة.
-وفيه حسن الأدب مع الله، وألا يضاف إلى الله ما يستهجن لفظه، وإن كان الكل بتقدير الله وخلقه، والدليل على ذلك أن الخضر قال عن السفينة: ? فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ? فنسب العيب إليه، وقال عن الجدار ? فَأَرَادَ رَبُّكَ ? ومنه قول الخليل إبراهيم -عليه السلام- ? الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ?78? وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ?79? وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ?80)
-قال العلماء في طلب موسى – عليه السلام – من الغلام ? آَتِنَا غَدَاءَنَا ? في ذلك تواضع موسى – عليه السلام – حيث لم يقل: للفتى آتني غدائي فيستفاد من ذلك: أنه ينبغي لمن وَّسع الله تعالى عليه واتخذ الخادم في الحضر أو في السفر أنْ يُكرم هذا الخادم وأن يحسن صحبته وأن يطعمه مما يأكل وأن يكسوه مما يكسى
*هل كان الخضر نبياً يوحى إليه، أم كان ولياً؟
الراجح من أقوال العلماء أن العبد الصالح هو الخَضِر – عليه السلام – كان نبياً ولم يكن ولياً فقط لماذا؟
أولاً: لأن موسى – عليه السلام – جاء ليتعلم منه. موسى – عليه السلام – وهو كليم
الله ومن أولى العزم من الرسل الخمسة المعروفين، وما كان لنبي أن يتعلم من ولي، لأن النبى أفضل من الولي ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء.
2 - أن الله - سبحانه وتعالى – قال ? آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ? والمراد بالرحمة النبوة فإن الله - سبحانه وتعالى – سمى النبوة بالرحمة في مواضع من كتابه فقال في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – ?وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ?31? فقال الله تعالى منكراً عليهم ? أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ?
(وقال تعالى أيضا) ? أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ? قال الله تعالى ? بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ?8? أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ? [صّ:8 - 9].
¥