ثم إن أعلى ما يمكن أن يقال في قوله تعالى ? قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ? إن لم يكن بواسطة نبي ذلك الزمان، فإنه يكون بواسطة الإلهام، ألهمه الله - تبارك وتعالى –هذا القول. والإلهام لا ينتهض أن يكون دليلاً لمن ألهم هذا القول؛ فإن الله - سبحانه وتعالى – سمى الإلهام الذي ألهمه أم موسى وحياً ? وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي ? [القصص:7].
فهذا الوحي لم يكن وحي نبوة وإنما كان وحي إلهام ومع ذلك لم يقل أحد من الناس إن أم
موسى كانت نبية فالراجح من أقوال المفسرين: أن ذا القرنين لم يكن نبياً ولكن كان ملكاً صالحاً من أولياء الله الصالحين.
* ? وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ?88 ?
انتبه هنا للتقديم والتأخير في الجزائين، لما ذكر ذو القرنين الجزاء الأول جزاء من كفر وظلم نفسه بالكفر بدأ بعذابه هو وأخر ذكر عذاب الآخرة، ولما ذكر جزاء من آمن وعمل صالحاً قدم ذكر جزاء الآخرة وأخر ذكر جزاء نفسه هو ? قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ?87 ?
فبدأ ذو القرنين في ذكر الجزاء للظالمين بالعذاب الأدنى وأخر العذاب الأكبر وأما في جزاء المؤمنين الصالحين الذين قبلوا الدعوة واتبعوه على الإيمان بالله، وأسلموا معه لله - عزّ وجلّ – فبدأ بذكر الجزاء الأعظم جزاء الآخرة وأخر جزاءه هو.
* قال ? وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ?88 ?
وفى هذا الجواب من الملك الصالح - ذي القرنين - رضي الله عنه – تعليم للملوك إذا فتحوا البلاد أن يحترموا أهلها وأن ينصفوهم من أنفسهم وألا يسعوا في الأرض فساداً بالقتل والنهب والسلب وانتهاك الأعراض، كما قالت ملكة بلقيس ? قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ? وأقرها الله - عزّ وجلّ – على ذلك الوصف فقال ? وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ? [النمل:34].
*? قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ? [الكهف:78] بالتاء قبل الطاء، فلما نبأه بتأويل ما لم يستطع عليه صبرا قال: ? ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ? [الكهف:82] بدون تاء.
الفرق بين اللفظين: أن التاء قبل الطاء فيها ثقل في النطق يقابل ثقل الجهل الذي كان يعاني منه موسى – عليه السلام – لأنه كان جاهلاً بالأحوال التي دعت الخضر إلى فعل ما فعل فلما علمه زال الجهل وذهب هذا الثقل الذي كان على عاتقه فقال ? ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ? وهنا يقول: ? فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ?97 ? لأنهم إن يأتوا بسلم،فييضعونه على الجدار وينزلون من الناحية الثانية، هذا أسهل من أن ينقبوا؛ لأن النقب يحتاج إلى عمل دؤوب وشغل كثير لكنَّ الارتقاء بالسلم أسهل قال: ? فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ?.
أسئلة:::::
-قال الله - عزّ وجلّ – في كتابه الكريم على لسان ذي القرنين ? أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً ? وقال الله - عزّ وجلّ – في كتابه الكريم ? لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ? فهل هذا العذاب يقصد أما من ظلم أي أما من كفر بالله ولم يتبع الدعوة فهل هذا العذاب كان فيه شريعة من قبلنا؟ وكيف كان العذاب؟
كان في شريعة من قبلنا لا يقبل إما الإسلام وإما القتل وسيكون ذلك أيضاًَ في آخر زماننا في شريعتنا أيضاً كما سينزل عيسى بن مريم – عليه السلام – لا يقبل إلا الإسلام أو القتل لكن في عهد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – كان إما الإسلام وإما الجزية فإن أبوا الإثنين فالقتل.
[ line]
* مكان وجود السد:
*قد كثرت الأسئلة في الدرس السابق عن مكان وجودهم ومكان هذا السد وكيف لا يعرفه
¥