انتبه من هذا الترتيب في وصف الخليل إبراهيم عليه السلام ?إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّا ? وقد قلنا إن الصديقية مرتبة دون مرتبة النبوة، فالله تبارك وتعالي استعمل أسلوب الارتقاء في المدح من الأدنى إلي الأعلى.
*?إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ ? تكررت منه عدو مرات، انتبه لهذه اللفظة ? يَا أَبَتِ ? [مريم: من الآية42] التاء في كلمة يا أبت التاء عوض عن ياء الإضافة، ? يَا أَبَتِ) كلمة أب ثم اتصلت بها التاء، تقدير كلام يا أبي لكن لفظة ? يَا أَبَتِ فيها من الحنان والعطف والرفق واللين والرقة ما فيها.
* قال أهل السنة في هذه الآية دلالة على أن الله سميع بصير لأن إبراهيم عليه السلام أنكر على أبيه عبادة ما لا يسمع ولا يبصر فلم يرد آزر على ولده الإنكار،، ولم يقل له ما الفرق بيني وبينك أنا أعبد ما لا يسمع ولا يبصر وأنت كذلك تعبد ما لا يسمع ولا يبصر، لم يرد آزر على ابنه الإنكار لأنه كان يعلم أن الله سميع بصير.
قال أهل السنة فكان آزر مع كفره أعلم بالله وأسمائه وصفاته من المعطلة الذين عطلوا صفات الله تبارك وتعالي.
*يتلطف إبراهيم عليه السلام في دعوة أبيه ويرفق به فلا يغلو في مدح نفسه ولا يفرط في حق أبيه، فلا ينسب لنفسه العلم ولا ينسب إلي أبيه الجهل إنما قال: ?يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ) وإن كان قد آتاك شيء من العلم وإن كنت على حظ من العلم إلا أنني آتاني من الله تبارك وتعالي علم ليس عندك.
*العاصي لا يكون إلا جاهلا كما قال الله تعالي ?إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ? [النساء: 17] فكل من عصي الله فهو جاهل وإن كان عالما، العالم إذا عصي الله لم ينفعه علمه فهو جاهل فالعاصي لا يطاع والجاهل لا يطاع، ولذلك قال الله تبارك وتعالي لموسى وهارون عليه السلام وقد دعوا على فرعون ?قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ? وقال الله تعالي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ?ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ? [الجاثية:18] وقال له في سورة الكهف كما سبق معنا ?وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا ?
*?قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِياّ ?
وعده أن يستغفر الله له فاستغفر له في حياته، فلما مات على كفره وشركه وظهرت عداوته لله تبارك وتعالي تبرأ ابنه إبراهيم منه ولم يستغفر له. فلا يجوز لأحد أن يستغفر لأبية المشرك أو لأمه المشركة محتجا باستغفار إبراهيم لأبيه فإن الله قال ?وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُإِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ? [التوبة:114]
* ?وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّ ? [مريم: من الآية48]
انتبه في هذا الكلام تلميح لهم يقول أنا أدعو ربي ولن أكون بدعاء ربي شقيا وأنتم عبدتم غير الله ودعوتم غير الله فستكون عبادتكم لغير الله سببا لشقائكم في الدنيا وفي الآخرة، هذا معني الكلام ولكن الخليل إبراهيم عليه السلام يستعمل التلميح محل التصريح، ويستعمل التعريض محل المواجهة كما فعل موسى وهارون عليهما السلام حين أتيا فرعون: ?وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ? [طه:47] ?إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ? [طه:48]
انتبه وتعلم هذا الأسلوب في الدعوة لا تواجه الناس بإنذار وبالترهيب والتخويف، استخدم مع الناس دائما التلميح ما دام يغني عن التصريح.
* ?عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّ ? [مريم: من الآية48] وهذا منه هضم لنفسه وتفويض لربه سبحانه وتعالي لأنه يعلم أنه لا يجب على الله لأحد شيء.
* ?وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّا? [مريم:53]
¥