والاستفزاز: الاستخفاف، وهو كناية عن الإبعاد. [21]
ب) القتل: يعني: إخراجهم عن هذه الحياة الدنيا بالقتل، إن لم يخرجهم من أرض مصر بالإجلاء.
يستفزكم: يستخفهم ويقلعهم إما بقتل أو بإجلاء. [22]
ج) الاستخفاف ثم الإخراج:
فالآية تبين أن فرعون أراد أمرين: " أن يستخف موسى عليه السلام وقومه، وينفيهم من الأرض ـ أرض مصر ـ ". [23]
وجاء في تفسير روح المعاني ذكر المعاني الثلاثة مع ترجيح القتل:
" وأصل الاستفزاز الإزعاج، وكنى به عن إخراجهم. (من الأرض) أي: أرض مصر التي هم فيها، أو من جميع الأرض. ويلزم إخراجهم من ذلك قتلهم واستئصالهم، وهو المراد ". [24]
ـ ما ورد في تفاسير الشيعة
أراد فرعون أن يخرجهم منها. [25]
وقيل: يخرجهم منها بالنفي والقتل والإزعاج كرهاً. [26]
ومنهم من جعل النفي والقتل هو عين الاستخفاف، لا مرحلة سابقة له.
جاء في تفسير مجمع البيان: " يزعج موسى ومن معه من أرض مصر وفلسطين والأردن بالنفي عنها، وقيل: أن يقتلهم ". [27]
ويتضح من سياق الآية الكريمة، أن الاستفزاز صدر عن فرعون إلى سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل، وهذا الاستفزاز لم يتمّ؛ بسبب إغراق الله سبحانه وتعالى لفرعون .. " أَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ ".
ج) تحرير محل النزاع:
يرى أكثر المفسرين ـ رحمهم الله تعالى جميعاً ـ حَمْل الاستفزاز الوارد في الآية الكريمة (103 من سورة الإسراء) على الكناية ـ كناية عن الإخراج، القتل .. ـ.
بينما يرى الباحث أن الحق إبقاء معنى الاستفزاز على معناه الحقيقي: (الاستخفاف)؛ فهو الأصل، وما يوافق القرآن الكريم وسياق الآية الكريمة وما أجمع عليه المؤرخون. [28]
وهذا يوافق اللغة العربية، بحسب ما ورد في كتب الغريب والمعاجم، كما سيتبين قريباً.
معنى الاستفزاز في كتب الغريب واللغة
يستفزهم من الأرض: أي: يزعجهم، وفزني فلان، أي: أزعجني، والفز: ولد البقرة، وسمي بذلك لما تصور فيه من الخفة، كما يسمى عِجلاً لما تصور فيه من العجلة. [29]
لا يَسْتَفِزُّه: أي لا يَسْتَخِفُّه. ورَجُلٌ فَزُّ: أي خفيف. وافْزَزْتُه اذا ازعَجْتَه وافْزَعْتَه. [30]
وجاء في الجامع الصحيح: " بَاب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ .. وَاسْتَفْزِزْ: اسْتَخِفَّ ". [31]
وفي معجم مقاييس اللغة: " (فز) الفاء والزاء: أُصَيلٌ يدلُّ على خفّةٍ وما قاربَهَا. تقول: فَزَّهُ واستفزَّه، إذا استخفَّه. قال الله تعالى: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْض " [الإسراء 76]، أي يحملونك على أن تَخِفَّ عنها. وأفزَّه الخوفُ وأفْزَعَه بمعنىً. وقد استفَزَّ فُلاناً جهْلُه. ورجل فَزٌّ: خفيف. ويقولون: فزَّ عن الشيء: عدل. والفَزُّ: ولَد البقرة. ويُمكن أن يسمَّى بذلك لخفَّة جسمِه. قال:
كما استغَاثَ بسيءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ خافَ العُيونَ ولم يُنظُرَ به الحَشكُ [32] ". [33]
وبالعودة إلى أصل معنى (فزّ) يتبين ما أراد فرعون من بني إسرائيل: فقد أراد كل واحد منهم خائفاً فزِعاً كابن الظبي أو البقر الوحشي " الفرير ". [34]
وفز الظبي: فزِع. [35]
وهل هناك أفزع منه؟!
معنى " الاستخفاف " في القرآن الكريم
في البداية ينبغي الإشارة إلى أن أول ما يقوم به المفسر عند تفسيره، هو تفسير القرآن بالقرآن. وبما أنه تم ترجيح تفسير (الاستفزاز) بالاستخفاف. وجب بيان معنى الاستخفاف في القرآن الكريم.
وبتتبع الآيات الكريمة التي تتحدث عن الاستخفاف، تبين ورود آيتين كريمتين تذكران معنىً مقارباً لمعنى الاستفزاز (موضع الدراسة)، والآيتان:
1. قال تعالى: " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم: 60].
2. قال تعالى: " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " [الزخرف: 54].
والضمير في الآية الأولى يعود على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والثانية يعود على فرعون.
وهنا ينبغي الإشارة إلى عودة الضمير في الآية الثانية موضع الدراسة (آية: 76) من سورة الإسراء على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والثالثة (آية: 103) على فرعون.
وقد فسر أكثر العلماء الاستخفاف في الآيتين الكريمتين بـ " الاستفزاز ". [36]
ومما ورد في بيان ذلك في كتب اللغة:
¥