تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يستخفنك: لا يستفزنك، ولا يستجهلنك. [37]

واستخفه: استفزه. [38]

وعلى هذا:

فالاستفزاز = الاستخفاف.

والاستخفاف = الاستفزاز.

عند تفسير القرآن بالقرآن، نجد ..

ـ في خطاب الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:

" وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ". [الإسراء: 76].

" فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم: 60].

ـ وفي سياق الحديث عن فرعون، وعلاقته بكل من بني إسرئيل وقومه (المصريين):

بني إسرائيل: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا " [الإسراء: 103].

المصريين: " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " [الزخرف: 54].

العلاقة بين فرعون وبني إسرئيل قبيل خروجهم من مصر

بعد هذه الجولة في معنى كل من الاستفزاز والاستخفاف في كتب التفسير واللغة، معززاً ذلك بتفسير القرآن للقرآن .. ينبغي لفت الانتباه إلى الأجواء الختامية لقصة سيدنا موسى عليه السلام وقومه مع فرعون.

يبين القرآن الكريم أن فرعون قد خاف أن يؤمن بنو إسرائيل بدعوة سيدنا موسى عليه السلام مما يهدد مركزه الاجتماعي والديني في مصر.

وزاد هذا الخوف بعد أن دخلت الدعوة إلى المصريين أنفسهم، فآمن السحرة [39] .. وكذا الرجل المؤمن من آل فرعون [40].

عندها عبَّر الملأ من حول فرعون عن طبيعة الخطر الذي سيلحق به وبهم، فخوفوه من أن دعوة موسى وأخيه هارون عليهما السلام هي دعوة تمكين للمستضعفين، وتحرير للناس من عبادة غير الله تعالى. بينما دعوة فرعون هي دعوة عبودية له، واستخفاف بهم.

فخاطبوهما على مسمع فرعون: " قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ". [يونس: 78] والكبرياء هنا: المُلك والسلطان. [41]

وظلوا يخوفونه من تهديد الدعوة الجديدة على سلطانه، فاستخدم التهديد والوعيد ليستخف ببني إسرائيل " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ " [الأعراف: 127].

من هنا بدأت مناورات الاستفزاز والحرب النفسية من فرعون وملئه بأتباع الدعوة الجديدة، والتي عبَّر عنها القرآن الكريم: " َمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ " [يونس: 83].

وخوفاً من تأثير استخفاف فرعون ببني إسرائيل (كما استخفَّ قومَه فأطاعوه) فكان الرأي السديد لسيدنا موسى عليه السلام الهجرة من مصر مع أتباع دعوته، ليجدوا أرضاً (يتمكنوا) فيها؛ ليقيموا فيها شعائر دينهم الحق بلا وجل ولا استخفاف. [42]

لذا خرج بهم سراً في الليل (الإسراء) دون أن يشعر بهم فرعون، " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ " [الشعراء: 52].

ثم تبين سورة الشعراء مشهد لحوق فرعون وجيشه بهم: " فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) ".

وعلم فرعون بتلك الهجرة متأخراً، بدليلين:

الأول: أن الجمعين شاهد كل منهما الآخر، وهذا يكون نهاراً .. وبني إسرائيل ساروا ليلاً " أَسْرِ ".

الثاني: أن موسى عليه السلام وقومه وصلوا شاطئ اليم، بعيداً عن العمران.

كل هذا يؤكد أن الإخراج لم يكن عن طيب خاطر من فرعون، وإلا لتركهم يذهبون. بل العكس من ذلك، لحق بهم؛ لأنه أراد إبقاءهم للخدمة والعبودية.

معنى " مِنْ " في الآية الكريمة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير