وهذا الذي تم، التمكين والاستخلاف للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل بسبب صبرهم ورفضهم الاستفزاز: " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ". [الأعراف: 128].
وتمت سنة الله الكونية الثابتة فيهم بسبب عدم خضوهم للاستفزاز: " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ " [الأعراف: 137].
وبهذا وعد الله جل جلاله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده إن لم يستخفهم مشركو قريش: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .. ". [الروم: 55].
ثم تمت سنة الله الكونية الثابتة فيهم بسبب عدم خضوعهم للاستفزاز: " وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا " [الأحزاب: 27].
ومن المُلاحَظ أن التمكين والاستخلاف تم بعد الهجرة، سواء في زمن موسى عليه السلام أو محمد صلى الله عليه وسلم.
كما تقرر الآيات الثلاث الكريمة في سورة الإسراء أهمية عزة المؤمن، واستعلائه على الباطل الذي يريد استفزازه وجعله مطية له (جناً كان أم إنساً). وتحقير من رضي لنفسه أن يكون (فزاً وفريراً ... ) سواء للشيطان الجن أو شياطين الإنس.
وعدم الرضوخ إلى ترهيبه وترغيبه، فما هي إلا (استفزازات) و (استخفافات) لا تليق بالمؤمنين المخلصين، ولهذا حذرهم من أن يكون مصيرهم كمصير قوم فرعون الذي كما قادهم في الدنيا إلى الهلاك، سيقودهم أيضاً في الآخرة إلى العذاب ..
" يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ " [هود: 98].
الخلاصة
كانت إرادة فرعون أن يستخدم البطش والتهديد ليستخف بفئتي المجتمع في مصر: المصريين، وبني إسرائيل. لتسهل السطيرة عليهم، وليستتب له الحكم بلا معارضة.
وقد نجح في ذلك مع قومه المصريين، حيث استخفهم فأطاعوه. ولكن الله جل جلاله يريد للطائفة المؤمنة أن تكون عزيزة أبيَّة، لا تخضع للترغيب والترهيب على حساب دينها، ومعيقة لها عن وظيفة تحقيق العبودية لله وحده في الأرض، ولا يتحقق هذا بلا تمكين.
لذا كانت معية الله سبحانه وتعالى للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل، حيث بدت السنة الإلهية في نصر وتمكين العباد المؤمنين، حين أراد فرعون الاستخفاف ببني إسرائيل .. ولكن دائرة السَّوء جاءت عليه، وانقلب كيده إلى نحره، حيث غرق في اليم. فانقلب المستخِفُّ مسخفَّاً به.
ذاك هو الحق الذي بينته سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) ".
صدق الله العظيم
الهوامش:
================================================== =
1) قال د. نصر أبو زيد: " القرآن ينتمي إلى ثقافة البشر ". انظر كتابه: مفهوم النص - دراسة في علوم القرآن، ص: 27.
2) انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري 1/ 240. والبداية والنهاية، ابن كثير 1/ 249. والمنتظم، ابن الجوزي 1/ 339.
¥