3 ـ إذا ورد الخبر في نقد أحد الأقران، مع وجود نزاع بينهما، فإن الأصل عدم قبوله، كما هو الحال في نقل الأزهري عن شيخه ابن عرفة (المعروف بنفطوية) في حقِّ ابن دريد، قال الأزهري في كتابه (تهذيب اللغة 1: 31): ((وممن ألَّف في عصرنا الكتب، فوُسِم بافتعال العربية وتوليد الالفاظ التي ليس لها أصول، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم = أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي صاحب كتاب الجمهرة، وكتاب اشتقاق الأسماء، وكتاب الملاحن.
وحَضَرْتُه في داره ببغداد غير مرة، فرأيته يروي عن أبي حاتم والرياشي وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي. فسألت إبراهيم بن محمد بن عرفه الملقب بنفطوية عنه، فاستخفَّ به، ولم يوثقه في روايته)).
وكلام نفطويه فيه من قبيل كلام الأقران، وكان بينهما من التنازع ما يجعل قول نفطوية لا يُقبل فيه، ويتبعه الأزهري الذي كان تلميذًا بارًّا لنفطويه، فإنه لم يستطع أن يتغلب على نفسه في التغلب لشيخه، وابن دريد من العلماء الثقات، فقد وثقه آخرون، وكتاب (جمهرة اللغة) مما ارتضاه اللاحقون، واعتمدوا عليه، فضلا عما كان يتَّسِم به ابن دريد من التورع في نقل اللغة ونقل معاني القرآن، وهذا المنهج في التورع موجود بكثرة في كتاب الجمهرة، فتجده يكثر من قوله: (والله اعلم)، ويقول: ولا أتحقق صحته ... الخ من مثل هذه الأساليب. ينظر في ذلك (مقدمة البعلبكي حقق كتاب الجمهرة)
4 ـ إذا خالف الأحوال المعروفة للعالم، فإنه لا يقبل.
ومن ذلك ما حكاه ابن بطوطة في رحلته الماتعة المشهورة، حكى عن شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: ((وكان دخولي لبعلبك عشية النهار وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق وصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ست وعشرين وسبعمائة غلى مدينة دمشق الشام فنزلت فيها بمدرسة المالكية المعروفة بـ (الشرابيشية))) إلى أن قال: ((وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون إلى أن قال فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من المنبر فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ... )).
وهذا فيه مخالفتان:
الأولى: ما عُرف من حال شيخ الإسلام من نفي التجسيم عن الرب سبحانه، وإنما يقع من مخالفيه هذا الزعم لإثباته للصفات.
الثانية: التاريخ، فقد ذكر ابن بطوطة أنه دخل دمشق في (9 رمضان سنة 726)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك الوقت كان محبوسًا في القلعة كما ذكر ذلك العلماء الثقات كتلميذه الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي والحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب في طبقات الحنابلة قال في ترجمة الشيخ من طبقاته المذكورة مكث الشيخ في القلعة من (شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين)، وزاد ابن عبد الهادي أنه دخلها في سادس شعبان.
5 ـ إذا خالف التاريخ المعروف للعالم، فإنه لا يقبل، كخبر أخذ حنين بن إسحاق عن الخليل بن احمد، قال ابن جلجل في كتابه (طبقات الأطباء والحكماء: ص: 68 ـ 78): ((حنين بن إسحاق تلميذ يوحنا بن ماسويه، عالمًا بلسان العرب، فصيحًا باللسان اليوناني جدًّا، بارعًا في اللسانين بلاغة بلغ بها تمييز علل اللسانين، ونهض من بغداد إلى أرض فارس، وكان الخليل بن أحمد النحوي رحمه الله بأرض فارس، فلزمه حنين حتى برع في لسان العرب، وأدخل كتاب العين بغداد)).
وقد علق المحقق فؤاد سيد على كلام ابن جلجل هذا بكلام ردَّ فيه هذا الخبرالغريب، واعتمد في ذلك على التاريخ، فالخليل مات سنة 175 على الأكثر، وحنين ولد 194، فانظر كيف يتهاوى هذا الخبر أمام التاريخ؟!
وليس العجب هنا فقط، بل الأعجب أن يأتي معاصرون، ويزعمون أن الخليل بن أحمد قد أخذ ترتيب معجم (العين) من اليونانية، وقد استفادها من حنين بن إسحاق!
(انظر في نقد هذه المعلومة: أصالة علم الأصوات عند الخليل بن أحمد من خلال مقدمة كتاب العين، للدكتور أحمد محمد قدُّور ص: 16، وانظر المراجع التي أعاد إليها أيضًا).
¥