تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 - علم البلاغة بيان للسان العرب وأساليبهم ونظمهم، وكتاب الله تعالى نزل بهذا اللسان العربي، كما قال الله عز وجل: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) [يوسف: 2].

ومن سنة الله تعالى في إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يكون الرسول والكتاب بلسان القوم الذين أرسل فيهم وأنزل إليهم، كما قال الله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) [إبراهيم: 4].

ولما اصطفى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً إلى قومه العرب خاصة والناس كافة؛ أنزل إليه كتابه بلغة قومه العرب؛ ليفهموا عن الله مراده وخطابه، بياناً لهم وحجة عليهم، كما قال الله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) [يوسف: 2]، وقال سبحانه: (قرآناً عربياً غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون) [الزمر: 28]. وينظر ما قاله الإمام أبو جعفر الطبري في أول مبحث من مباحث مقدمة تفسيره.

ولهذا كانت لغة العرب من المصادر المهمة التي بها يعرف كلام الله تعالى، فلا بد لمن يريد تفسير آيات القرآن الكريم وتوجيهها من معرفة اللغة التي بها نزل، قال الخطيب البغدادي: (يحتاج الناظر في علم القرآن إلى حفظ الآثار ودرس النحو وعلم العربية واللغة؛ إذ كان الله تعالى إنما أنزله بلسان العرب) (1)، وقال ابن فارس: (إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه؛ وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب؛ لم يجد من العلم باللغة بدا) (2)، وقال الشاطبي: (لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب) (3).

(وما زال السلف ومن كان على هديهم يستدلون على معاني الكتاب والسنة بكلام العرب من شعر وغيره، وإذا أشكل عليهم فهم لفظة أو تركيب رجعوا إلى كلام العرب وأسلوبها في الكلام) (4)، وقد حكى صاحب كتاب ”المباني في نظم المعاني“ إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تفسير القرآن على شرائط اللغة (5)، وعمَلُ مفسري السلف رحمهم الله بالأخذ بلغة العرب في التفسير إجماعٌ فعلي منهم (6).

(ويفهم من ذلك أن معرفة اللغة العربية شرط في فهم القرآن؛ لأن من أراد تفسيره وهو لا يعرف اللغة التي نزل بها القرآن فإنه لا شك سيقع في الزلل؛ بل سيحرف الكلم عن مواضعه) (7)، وقد روى الخطيب البغدادي عن الحسن البصري أنه سئل: أ رأيت الرجل يتعلم العربية، يطلب بها حسن المنطق، ويلتمس أن يقيم قراءته؟، فقال: حسن، فتعلمها يا أخي، فإن الرجل ليقرأ الآية، فيعي بوجهها، فيهلك فيها) (8)، ولقد أنكر بعض الأئمة على من أخطأ في تفسير كتاب الله من جهة جهلهم بلغة العرب أو قلة المعرفة بها (9).

ومع أن اللغة العربية تعد من أهم مصادر التفسير؛ إلا أنها لا تستقل بفهم القرآن وتفسيره وتوجيه آياته وألفاظه، دون سائر المصادر الأخرى كالقرآن والسنة وآثار السلف رحمهم الله؛ لأن التفسير الصحيح قد يكون من جهة هذه المصادر، أو تكون هذه المصادر محددة للمعنى اللغوي المحتمل عند تعدد وجوه التفسير (10)،.

2 - يختلف العلماء في تحديد وجوه الإعجاز في القرآن إلا أنهم يتفقون -عدا من رأى قصر الإعجاز في الصرفة- على أن الإعجاز البلاغي وجهاً مهماً لا يمكن إغفاله. ولقد عني علماء الإعجاز بهذا الجانب أكثر من غيره، فدونوا في مؤلفات الإعجاز ملحوظاتهم وآراءهم وأفكارهم البلاغية، حتى أصبح معظم الكتب المؤلفة في الإعجاز القرآني مصادر بلاغية، كرسالة الخطابي في إعجاز القرآن، والنكت في إعجاز القرآن للرماني، وإعجاز القرآن للباقلاني، والبرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني، وغيرها من الكتب، ثم صار البلاغيون يؤلفون مؤلفاتهم البلاغية لتكون وسيلة لفهم الإعجاز القرآني، كما تدل عليه عناوين هذه المؤلفات: دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، ونهاية الإيجاز في دراية الإعجاز للفخر الرازي، والطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز للعلوي، وغيرها من المؤلفات، وكثيراً ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير