تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يُبْعَث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخًا صَدُوقًا، فنسألهم عما تقول: حَقٌّ هو؟ فإن صنعتَ ما سألناك صدَّقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول". ووجه الشاهد فى الخبر أنهم تحدَّوْه، ضمن ما تحدَّوْه به، أن يأتى لهم بمن مات من آبائهم، وعلى رأسهم جَدّه قُصَىّ بن كلاب، إذ كانوا، كما قلنا، يَرَوْنَ استحالة عودة الميت إلى الحياة، أما من يقول بغير هذا فعليه أن يُثْبِت ما يقول ويعيد الموتى إلى الدنيا كرة أخرى! وثمة خبر فى "أسباب النزول" للواحدى يفسّر سبب نزول قوله عز وجل: "وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ"، وفيه أنه "كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دَيْن فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلَّم به: والذي أرجوه بعد الموت. فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتُبْعَث بعد الموت؟ فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت. فأنزل الله تعالى هذه الآية". وكانوا يتهكمون بما ينزل به القرآن فى أوصاف الجنة، كالذى يُرْوَى عن أبى جهل من أنه "لما ذكر الله تعالى الزَّقُّوم خُوِّف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ... ؟ قالوا: لا. قال: الثَّرِيد بالزبد! أمَا والله لئن أمكننا منها لنَتَزَقَّمَنَّها تَزَقُّمًا. فأنزل الله تبارك وتعالى: "وَالشَجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إلا طُغْيَانًا كَبِيرًا" ... ". ومن هذا الوادى أيضا ما جاء فى بعض الروايات من أن "خَبّاب بن الأرتّ كان قَيْنًا، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي، وكان العاص يؤخر حقه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال: لستُ بمفارقك حتى تقضيني. فقال العاص: يا خباب، مالك؟ ما كنتَ هكذا! وإِنْ كنتَ لَتُحْسِن الطلب. فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك، فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك. قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضةً وحريرًا؟ قال خَبّاب: بلى. قال: فأَخِّرْني حتى أقضيك في الجنة، استهزاءً. فوالله لئن كان ما تقول حقًّا، إني لأفضل فيها نصيبًا منك". وكان هذا الاستهزاء يتكرر كلما نزل شىء من القرآن فى تعداد نِعَم الجنة، ومن ذلك ما ورد فى النص التالى لدى الواحدى: "كان المشركون يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزئون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لَنَدْخُلَنَّها قبلهم، ولَيَكُونَنَّ لنا فيها أكثر مما لهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية: "أَيَطْمَعُ كُلُّ اِمْرِئ مِّنهُم أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ* كَلاّ" ... ".

* * *

فإذا انتقلنا إلى العبادات الجاهلية وجدنا مثلا قوله تعالى: "إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ" (الأنفال/ 19)، أى أنهم كانوا يتجهون بالدعاء لله، وقد سلف القول إنهم كانوا يؤمنون بوجوده سبحانه، وإن عَزَّ على عقولهم المغلقة أن تفهم أن الله بطبيعته لا يمكن إلا أن يكون إلها واحدا، بل كانوا يشركون به آلهة أخرى مما سبق بيانه. ومعنى الاستفتاح هو الدعاء إلى الله أن يظهر لهم الحق من الباطل. وقد وردت أكثر من رواية فى ذلك فى تفسير الطبرى فقيل: "كان المشركون حين خرجوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: اللهمّ انصر أَعَزّ الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين. فقال الله: "إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". يقول: نَصَرْتُ ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: "استفتح أبو جهل فقال: اللهمّ، (يعني محمدا ونفسه) أيُّنا كان أَفْجَرَ لك اللهمّ وأَقْطَعَ للرَّحِم فأَحِنْهُ (أى أَهْلِكْه) اليوم. قال الله: إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". كما نقرأ فى ذات السورة قوله سبحانه: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير