تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جاءوا حُجّاجًا أو عُمّارًا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قَدِمُوا أوّل طوافهم إلا في ثياب الحُمْس، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة. فحَمَلُوا العربَ على ذلك، وكان مَنْ سواهم يقفون بعرفة، فأمرهم الله بالوقوف معهم: "ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (البقرة/ 199). وكان القوم في جاهليتهم، بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم، يجتمعون فيتفاخرون بمآثر آبائهم، فكانوا يذكرون آباءهم في الحج، فيقول بعضهم: كان أبي يطعم الطعام، ويقول بعضهم: كان أبي يضرب بالسيف، ويقول بعضهم: كان أبي جَزّ نواصي بني فلان. فأمرهم الله في الإسلام أن يكون ذكرهم بالثناء والشكر والتعظيم لربهم دون غيره، فنزل قوله عز وجل: "فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا" (البقرة/ 200).

وكان الأنصار في الجاهلية إذا أَهَلّ أحدهم بحجّ أو عُمْرة لا يدخل دارا من بابها إلا أن يتسوّر حائطا، وأسلموا وهم كذلك. فأنزل الله تعالى ذكره: "وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (البقرة/ 189)، ونهاهم عن صنيعهم ذاك، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها. فلما حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك، وهو مسلم. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس الرجلُ خلفه وأبى أن يدخل قائلا: يا رسول الله إني أَحْمَس. يقصد أنه مُحْرِم، وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يُسَمَّوْن: "الحُمْس". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أيْضا أَحْمَسُ (أى أنه عليه السلام من قريش)، فادْخُلْ"، فدخل الرجل.

وكان فى تعاملات أهل الجاهلية بغي وطاعة للشيطان، فكان الحَيّ مثلا إذا كان فيهم عُدّة ومَنَعة، فقَتَل عبدُ قومٍ آخرين عبدًا لهم، قالوا: "لا نَقْتُل به إلا حُرًّا"، تعزُّزًا لفضلهم على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت امرأةُ قومٍ آخرين امرأةً لهم، قالوا: لا نَقْتُل بها إلا رجلاً. فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فنهاهم عن البغي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُ نْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (البقرة/ 178).

وكان اليتامى يُظْلَمون ولا يُرْحَمون وتُؤْكَل حقوقهم، وقد نزلت فيهم آيات متعددة: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين(الماعون/1 - 3)، "فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ" (البلد/ 11 - 16)، "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة/ 177)،"كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا* وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا" (الفجر/ 20)، "وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ" (الأنعام/ 152، والإسراء/ 34)، "وَآتُوا الْيَتَامَى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير