تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا" (الإسراء/ 31)، "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" (النحل/ 58 - 59)، "أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ* وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين(الزخرف/ 16 - 18). وفى هذه العادة المتوحشة يقول البغوى، عند تفسير الآيات 58 - 59 من سورة "النحل"، إن "مُضَرَ وخُزَاعَةَ وتَمِيمًا كانوا يدفنون البنات أحياء خوفا من الفقر عليهم وطَمَعِ غير الأَكْفَاء فيهن. وكان الرجل من العرب إذا وُلِدَتْ له بنت وأراد أن يستحييها ألبسها جُبّةً من صوف أو شعر وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها تركها حتى إذا صارت سداسيةً قال لأمها: "زيِّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها"، وقد حفر لها بئرا في الصحراء. فإذا بلغ بها البئر قال لها: "انظري إلى هذه البئر"، فيدفعها من خلفها في البئر ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض. فذلك قوله عز وجل: "أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟ ". وكان صَعْصَعَة عَمُّ الفرزدق (بل جَدّه فى الواقع) إذا أحس بشيء من ذلك وجَّه إلى والد البنت إبلاً، يُحْيِيها بذلك. فقال الفرزدق يفتخر به:

وعَمِّي الذي مَنَعَ الوائدا * تِ فأحيا الوئيدَ فلم تُوأَدِ"

وفى الآية السابعة من سورة "النساء" يطالعنا قوله تعالى: "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وسبب نزولها أن من العرب من لم يكن يورِّث النساء ويقول: "لا يُوَرَّث إلا من طاعَنَ بالرمح وقاتَلَ بالسيف"، فنزلت هذه الآية. ومن ذلك أن أم كحلة مات عنها زوجها أوس بن سُوَيْد وترك لها بنتا، فذهب عَمّ بنيها إلى ألاّ ترث، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العَمّ: "هي، يا رسول الله، لا تقاتل ولا تحمل كّلاًّ ويُكْسَب عليها ولا تَكْسِب". ولا يقف ظلم النساء لدى عرب الجاهلية عند هذا الحد، فقد ذكرت الآيات التالية من نفس السورة ألوانا أخرى من الغبن الذى كُنّ يتعرَّضْن له على أيدى الرجال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا* وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا* وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" (النساء/ 19 - 21). وقد علّق الزمخشرى على هذا قائلا: "كانوا يَبْلُون النساء بضروب من البلايا ويظلمونهن بأنواع من الظلم، فزُجِروا عن ذلك: كان الرجل إذا مات له قريب من أب أو أخ أو حميم عن امرأة ألقى ثوبه عليها وقال: أنا أحق بها من كل أحد. فقيل: "لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كَرْهًا"، أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تُحَاز المواريث، وهن كارهات لذلك أو مُكْرَهات. وقيل: كان يمسكها حتى تموت. فقيل: لا يحلّ لكم أن تمسكوهن حتى ترثوا منهن سوء العشرة والقهر لتفتدي منه بمالها وتختلع. فقيل: ولا تَعْضُلوهنّ لتَذْهَبوا ببعض ما آتيتموهن. والعَضْل: الحبس والتضييق. .. "إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ "، وهي النشوز وشَكَاسة الخُلُق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة، أي إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن، فقد عُذِرْتم في طلب الخلع ... فإن فعلتْ حَلَّ لزوجها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير