ـ[محمد الأمين]ــــــــ[17 Jan 2006, 01:26 ص]ـ
"عجيب أن كلاما يمس الأنبياء عليهم السلام يعد دون الحلال والحرام في المستوى!!! "
لم أقل ذلك يا شيخ. لكني لا أرى في الحديث السابق (ولا أقول كلام المفسرين) كلاماً يمس الأنبياء.
نعيم بن حماد ضعيف لا يعتبر به، وينظر إسناد كتاب الزهد.
"ثم أن أصل الاعتراض لم يكن مني على الحديث بقدر ما هو على الكلام الذي يتداوله البعض بعلاته دون روية ولا تبصر."
نعم، أنا معكم في ذلك.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[17 Jan 2006, 02:55 ص]ـ
جزاك الله خيرا على كلامك الموفق يا دكتور أنمار،
و لأخى المستفسر أقول:
ليس في أمر الضر - المنسوب من أيوب عليه السلام إلى الشيطان - وسوسة منه إليه، و إنما هو تأدب من أيوب عليه السلام في الدعاء إلى الله عز و جل بكشف ذلك الضر، الذى ابتلاه به الله، فنسبه سيدنا أيوب إلى الشيطان على سبيل التأدب في خطاب الله تعالى.
قال الله تعالى جلَ ذكره مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم:
{وَ?ذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ?لشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} *. [ص: 41]
****************
قال الإمام القرطبي في كتابه " الجامع لأحكام القران " في تفسيرهذه الآية:
((قال ابن العربي [يعنى: القاضى أبو بكر بن العربي]:
ما ذكره المفسرون من أن إبليس كان له مكان في السماء السابعة يوماً من العام فقول باطل؛ لأنه أهبط منها بلعنة وسخط إلى الأرض، فكيف يرقى إلى محل الرضا، ويجول في مقامات الأنبياء، ويخترق السموات العلى، ويعلو إلى السماء السابعة إلى منازل الأنبياء، فيقف موقف الخليل؟ ? إن هذا لخطب من الجهالة عظيم. وأما قولهم: إن الله تعالى قال له هل قدرت من عبدي أيوب على شيء فباطل قطعاً؛ لأن الله عز وجل لا يكلم الكفار الذين هم من جند إبليس الملعون؛ فكيف يكلم من تَوَلَّى إضلالهم؟.? وأما قولهم: إن الله قال قد سلطتك على ماله وولده فذلك ممكن في القدرة، ولكنه بعيد في هذه القصة. وكذلك قولهم: إنه نفخ في جسده حين سلَّطه عليه فهو أبعد، والباري سبحانه قادر على أن يخلق ذلك كله من غير أن يكون للشيطان فيه كسب حتى تقِرّ له ـ لعنةُ الله عليه ـ عينٌ بالتمكن من الأنبياء في أموالهم وأهليهم وأنفسهم. وأما قولهم: إنه قال لزوجته أنا إل?ه الأرض، ولو تركتِ ذكر الله وسجدتِ أنتِ لي لعافيته، فاعلموا وإنكم لتعلمون أنه لو عرض لأحدكم وبه ألم وقال هذا الكلام ما جاز عنده أن يكون إل?ها في الأرض، وأنه يسجد له، وأنه يعافي من البلاء، فكيف أن تستريب زوجة نبيّ؟ ? ولو كانت زوجة سواديّ أو فَدْم بربريّ ما ساغ ذلك عندها.
وأما تصويره الأموال والأهل في وادٍ للمرأة فذلك ما لا يقدر عليه إبليس بحال، ولا هو في طريق السحر فيقال إنه من جنسه. ولو تصوّر لعلمت المرأة أنه سحر كما نعلمه نحن وهي فوقنا في المعرفة بذلك؛ فإنه لم يخل زمان قط من السحرِ وحديثه وجريه بين الناس وتصويره.
قال القاضي [يعنى: ابن العربي]:
والذي جرأهم على ذلك وتذرّعوا به إلى ذكر هذا قوله تعالى: {إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ?لشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} فلما رأوه قد شكا مسّ الشيطان أضافوا إليه من رأيهم ما سبق من التفسير في هذه الأقوال. وليس الأمر كما زعموا،
والأفعال كلها خيرها وشرها، في إيمانها وكفرها، طاعتها وعصيانها، خالقها هو الله لا شريك له في خلقه، ولا في خلق شيء غيرها، ولكن الشر لا ينسب إليه ذِكرا، وإن كان موجوداً منه خَلْقا؛ أدباً أدّبنا به، وتحميداً علّمناه، " وكان من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم لربه به قوله من جملته: «والخير في يديك والشر ليس إليك» " على هذا المعنى. ومنه قول إبراهيم:
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}
[الشعراء: 80] وقال الفتى للكليم:
{وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ?لشَّيْطَانُ}
[الكهف: 63] وأما قولهم: إنه استعان به مظلوم فلم ينصره. فمن لنا بصحة هذا القول. ولا يخلو أن يكون قادراً على نصره، فلا يحلّ لأحد تركه فيلام على أنه عصى وهو منزّه عن ذلك. أو كان عاجزاً فلا شيء عليه في ذلك، وكذلك قولهم: إنه منع فقيراً من الدخول؛ إن كان علم به فهو باطل عليه، وإن لم يعلم به فلا شيء عليه فيه. وأما قولهم: إنه داهن على غنمه الملك الكافر فلا تقل داهن ولكن قل دارى. ودفع الكافر والظالم عن النفس أو المال بالمال جائز؛ نعم وبحسن الكلام.
قال ابن العربي القاضي أبو بكر رضي الله عنه: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله عنه في كتابه في آيتين؛ الأولى قوله تعالى:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ?لضُّرُّ}
[الأنبياء: 83] والثانية في «ص?» {أَنِّي مَسَّنِيَ ?لشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله: " بينا أيوب يغتسل إذ خرّ عليه رِجل من جراد من ذهب " الحديث. وإذ لم يصح عنه فيه قرآن ولا سنة إلا ما ذكرناه، فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره، أم على أيّ لسان سمعه؟ والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات؛ فأعرض عن سطورها بصرك، وأصمم عن سماعها أذنيك، فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالاً، ولا تزيد فؤادك إلا خبالا. وفي الصحيح واللفظ للبخاري أن ابن عباس قال: يا معشر المسلمين! تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه مَحْضاً لم يُشَب، وقد حدّثكم أن أهل الكتاب قد بدّلوا من كتب الله وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتب؛ فقالوا:
{هَـ?ذَا مِنْ عِنْدِ ?للَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}
[البقرة: 79] ولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الموطأ على عمر قراءته التوراة)).
انتهى كلام القاضى أبو بكر بن العربي، و هو من أعدل الأقوال و أجودها في تفسير تلك الآية
و الله تعالى أعلم و أحكم
¥